بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 11 سبتمبر 2010

حتى يغيِّروا ما بأنفسهم




أ. د. محمد حبيب
ويبقى الحال كما هو عليه، وسبحان من له الدوام، يغير ولا يتغير؛ إذ لا توجد هناك في الأفق القريب أو البعيد أيةُ رغبة جادةٍ من السلطة في إصلاح أو تغيير للبلد في النهضة التي ننشدها والتقدم الذي نرجوه.

العالم كله يتقدم، يَجري من حولنا، يُسابق الزمن، أما نحن فقد توقفنا، أو على الأصح تخلفنا.. سياسيًا واقتصاديًا وعلميًا وتقنيًا وحضاريًا، للأسف الطرق مسدودةٌ، والأبواب موصدةٌ إلا من رحمة الله، الحياة الحزبية- كما نرى- في حالة سكون وكمون، كأنه الموت، أو هو الموت فعلاً، باستثناء أحزاب قليلة تُعد على أصابع اليد الواحدة، لا توجد لدينا أحزاب بأي معنى.. إنها مجرد ديكور، أو شكل يزيِّن صدرَ السلطة الحاكمة.

وحتى هذه الأحزاب القليلة مقيدةُ الحركة، معدومةُ التأثير والفعالية، غيرُ قادرة على التعبير عن نفسها وذاتها، ممنوعةٌ من برامجها وهياكلها وأدائها وطريقة عملها، لكن من المؤكد أيضًا أن السلطة الحاكمة نجَحت في اختراق هذه الأحزاب وإحداث شروخ وتصدعات بداخلها وفيما بينها؛ حتى تنكفئ على ذاتها وتنشغل بمشكلاتها فتنصرف عن الاهتمام بقضية الإصلاح الكبرى.

واستطاعت السلطة أن تدفع بالحياة السياسية إلى حجرة الإنعاش، فلا هي ماتت كي يتم تغسيلها وتكفينها وتشييعها ودفنها في أقرب مقبرة، ولا هي حيةٌ متحركةٌ نشطةٌ، تمارس حقها وتُعنى بمسئولياتها، إنها قابعةٌ هناك على الجهاز لا نسمع لها صوتًا سوى مجموعة من الأنفاس، والخراطيم تتدلى من أنفها وفمها، ويحيط بها أقاربها في حزن وأسًى، وأقصى ما يستطيعون فعلَه هو الدعاء وانتظار معجزة السماء.

لكن نسى الناسُ أن سُنةَ الله الماضية إلى يوم القيامة هي أن يتحركوا.. أن يفعلوا شيئًا.. إنه من الضروري أن يتذكروا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأن أولى مراحل التغيير هي استعادة الثقة بالنفس، والاستعداد للبذل والتضحية، والالتفاف حول قيادة واعية مخلصة صادقة مجاهدة.

الحياة السياسية الموجودة الآن هي ديمقراطية مغشوشة، ديمقراطية من نوع خاص، فالنخب يتكلمون في كل شيء.. في السياسة والاقتصاد والزراعة والصناعة والتعليم.. إلخ، إنهم يقولون ما يريدون ويملأون الدنيا صراخًا وضجيجًا وعويلاً، والسلطة سعيدةٌ بذلك كل السعادة طالما سيقف الأمر عند هذا الحد، ثم ماذا تريد النخب أكثر من ذلك؟!

يا سادة.. لقد نجحت السلطة في أن تَشغل الرأي العام بأن تجعله مسحوقًا مطحونًا بلقمة الخبز التي لا يجدها، ووسيلة المواصلات التي تُهدر كرامتُه فيها، والتعليم الذي كلفه الجلد والسقط، والإعلام الذي يستخف بعقله ويعمل على تسطيح فكره، والصحة المعتلَّة.. كلى، وسكر، وضغط، وربو.. إلخ، فضلاً عن الأزمات النفسية التي يعانيها من قلق وتوتر واكتئاب.

أما أنتم أيها النخب فماذا تمثلون؟! إنكم لا تمثلون سوى أنفسكم، كما أن الشعب لا يَسمعكم ولا يهتم بما تقولون، ومن ثم فإن السلطة لن تُلقي لكم بالاً أو اهتمامًا، ومع ذلك فسوف تتيح لبعضكم فرصة الحديث في الغرف المغلقة، ونقد السلطة بأشد ما يكون النقد لا بأس بل هو أمر مطلوب.

يا سادة.. لا بد أن تقتربوا من الناس.. من مشكلاتهم وآلامهم ومعاناتهم.. لا بد أن تخاطبوهم بما يفهمون، وأن تكسبوا ثقتَهم، وأن تشحذوا هممَهم وعزائمَهم، وأن تعتقدوا أن التغيير لن يأتي إلا من خلالهم، وأن تفتحوا باب الأمل والرجاء لديهم، وأن تقدموا- من أنفسكم- القدوةَ الصالحةَ في الدفاع عن الحرية والوقوف في وجه الظالمين، والانتصار للعدل أيًّا كان صاحبُه، وأن تقصدوا من وراء ذلك كلِّه وجهَ الله تعالى؛ إذ بقدر الإخلاص يكون توفيقُه سبحانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق