بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 31 ديسمبر 2010

ما هو حكم الشرع في اللجوء إلى الذين يزعمون أنهم يصاحبون الجن؟!



بقلم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد فقد شاع بين البعض لضعف تربيتهم التربية الصحيحة، ولضعف عقيدتهم وإيمانهم، واختلاط الأمور عليهم، شاع بينهم التعلق بالسحرة والكُهَّان والمنجمين، فادعوا أنهم يستطيعون أن يعالجوا المرضى، والذين في حياتهم بعض المشاكل الصحية والنفسية، كما ادّعو- كذبًا وزورًا- معرفة الغيب، والقدرة على حلِّ جميع المشاكل التي تنزل بالإنسان، كما زعموا أن في تلاوتهم للقرآن على المريض يذهب عنه هذه الأمور.

والحق أن تلاوة القرآن الكريم والأذكار من الأمور المفيدة للصحيح والسقيم، وهي لا تحتاج إلى شخص آخر، لكي يقوم بهذه المهمة ثم يوزع شريط كاسيت فيه بعض الخزعبلات ثم يتمادى بعد هذه الخطوات بقوله: إن على المريض جِنًّا، وبما أنه هو هذا الكذَّاب يدّعي أنه يصاحب الجن وفي إمكانه أن يستدعيه لعلاج المريض، ويبدأ في سلب أموال المريض، وأحيانًا يكون هو الشيطان الحقيقي الذي يطّلع على العورات، ويتدخل في حياة الناس.

والحق أن كلَّ مسلم ومسلمة مطلوب منه سواء أكان صحيحًا أو مريضًا أن يتلو القرآن بلسانه هو، وأن يتطهر وأن يصلي وأن يذكر الله عز وجل، وأن يتقرب إليه وحده، وأن يبتعد عن هذه الانحرافات والضلالات بتلاوة القرآن وذكر الله عزَّ وجلَّ، وإن كانت المريضة زوجة فليقم الزوج والأولاد بالتلاوة والدعاء وبذكر الله عزَّ وجلَّ ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: من الآية 28).

والواجب علينا كمسلمين مؤمنين أن نبتعد تمامًا عن هذه الخرافات والضلالات والجهالات التي يقوم بها بعض المشعوذين والأفّاقين والضالين الذين يتلاعبون بالإنسان، ويزيدونه تعبًا وحيرة وألمًا، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)﴾ (الجـن).

وعلى المرضى- شفاهم الله- أن يكونوا مؤمنين مصدقين بقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: من الآية 43).

فليذهب المريض فورًا إلى الطبيب المختص، أو الطبيب النفسي، أو غيره، ويعرض عليه حالته، ويستمع إلى علمه وإلى ما يقول ويثق في كلامه، ويعالج نفسه إن كان صادقًا بالعلاج الذي وصفه له الطبيب، عندئذٍ يكون قد بدأ في الطريق الصحيح الذي يوصله إلى الشفاء، إن شاء الله.

وهؤلاء المنجمون والسحرة والعرّافون الذين يزعمون أنهم يعالجون المرضى هم في أشدِّ الحاجة إلى العلاج والدواء فهم مرضى لأنهم تركوا كتاب الله وراءهم ظِهريًّا وسلكوا الطريق المعوّج، قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...﴾ (البقرة).

إن كتاب الله عزَّ وجلَّ- وجميع الكتب السماوية- نور من عند مالك السماوات والأرض سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (النور: من الآية 35)، فمن ينبذ كتاب الله، ولا يحتكم إليه ولا ينزل على أوامره ويجتنب نواهيه، قد قبض يده من الحق ووضع يده في يد الشيطان، فاتبع الشيطان واتبع الباطل واتبع الهوى قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)﴾ (طه).

وهذا ما وقع فيه السحرة وغيرهم (الذين تركوا رسالات السماء وساروا وراء الشياطين، وما يفعل هذا الأمر ويدجِّل على عباد الله ويكذب عليهم، ويبيح لنفسه أن يطلع على العورات ويحدث ما يحدث إلا زنديق وشيطان رجيم).

وماذا بعد أن نبذوا رسالات السماء، ونبذوا كتاب الله المصدِّق لما معهم، وماذا يكون وضع أي مخلوق، وفي أي عصر، وفي أي مَصْر، ومع أي نبي ومع أي رسول؟؛ ماذا يكون حاله؟ إنه قبض نفسه عن الحق وأبعدها عنه ووضعها فورًا في يد الشياطين والأبالسة الذين ادعوا وزعموا أنهم يملكون تسخير الجانّ ويصاحبونه وقد كذبوا.

وهناك البعض من ضعاف الإيمان يتعلقون بالكهّان والمنجّمين و(حظك هذا الأسبوع)، ومستقبلك كيف يكون؟، وطلب الزواج، وغيرها من الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى نفسه بعلمها ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)﴾ (الجن)، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(٦٥)﴾ (النمل)، وقال سبحانه: ﴿صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ (طه: من الآية 69): وقال عز من قائل: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118)﴾ (الأعراف).

فهذه الآيات وأمثالها تبين خسارة الساحر وكلِّ مَن يسلك هذا الطريق ومآله في الدنيا والآخرة، وأنه لا يأتي بخير، وأن ما يتعلمه، أو يُعلِّمه يضرُّ صاحبه، ولا ينفعه كما نبَّه سبحانه أن عملهم بطل، وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".

وهذا يدل على عظم جريمة السحر وخطره بألوانه المختلفة، فهو من الموبقات أي المهلكات، وهو قرين الشرك.

أيها الإخوة.. إن هذا الأصل الذي تحدَّث عنه الإمام الشهيد حسن البنا في إيجاز، ودقة عجيبة يقوم على قاعدتين في غاية الأهمية؛ الأولى: هي تجريد التوحيد لله تبارك، وتعالى بحيث يعتقد المسلم اعتقادًا جازمًا ألاّ دافع، ولا مانع غير الله عزَّ وجلَّ، ولا ضار ولا نافع غير الله سبحانه، وأن الأمور كلها بيديه سبحانه وتعالى، وأن مَن عداه أو ما عداه لا يملكون لأنفسهم- فضلاً عن غيرهم- ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا، ولا حياةً، ولا نشورًا كما قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)﴾ (الأنعام)، وقال سبحانه: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)﴾ (الزمر).

فلا يجوز شرعًا واعتقادًا الاعتماد على أحد غير الله سبحانه، ولا التوكل إلا عليه فهو النافع الضار، ولقد قالها أبو الأنبياء عليه السلام كما حكى القرآن عنه: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)﴾ (الشعراء).

والقاعدة الثانية التي يقوم عليها هذا الأصل هي: رعاية سنن الله تعالى في الخلق والحياة والإنسان واحترام نظام الأسباب والمسببات الذي أقام الله عليه نظام هذا الكون، بتصرف عن (موقف الإسلام من الإلهام والكشف) للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله.

تحذير شديد من هذه الأمراض:

إن الإسلام "الدين الخاتم" كما حذَّر من الكهنة، والأبالسة، ومدَّعِي علم الغيب، والشياطين والمنجّمين وأمثالهم، حذَّر كذلك من السحر والسحرة، والأحاديث الواردة في هذا الباب كثير مثل "من أتى عرّافًا فسأله عن شيء فصدّقه بما قال لم تقبل له صلاة أربعين يومًا"، والعرّاف هو الذي يزعم معرفة الغائب، وجاء أيضًا في الحديث "من أتى كاهنًا فسأله فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" وأن الغيب لا يعلمه إلاّ الله.

لا مكان في الإسلام أبدًا لمنجم، ولا ساحر، ولا عرّاف، ولا كاهن، وهذا عليه إجماع أئمة الأمة في سائر الأعصار.

كما اتفق علماء الإسلام على كشف هؤلاء، وعلى مطاردتهم، وبيان حقيقتهم ليتجنبهم الناس، فهم بحق ضائعون مضيعون، محادّون لله ولرسوله وللمؤمنين لا يتقون الله ولا يخافون من عذابه بل يتجرأون على الحق سبحانه وتعالى.

أيها المربون.. خذوا إخوانكم بما أخذهم الله به وربّوهم على ما ربّاهم عليه، واسلكوا بهم الطريق الصحيح الذي أمركم الله به، واملئوا فراغ القلوب بالإيمان فإن القلب الفراغ من العقيدة يقبل كلَّ شيء ونعوذ بالله من هذا.

ونصيحتي للجميع:

أولاً: مَن يتعلق بهذه الأمراض ويقترب منها عليه أن يتوب إلى ربه وأن يستغفر وأن يندم على ما قدَّم من يداه، وأن يشعر بأنه فرَّط في جنب الله، وأن يعتمد على الله وحده وأن يسلك طريقه المستقيم، وأن يقترب من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وأن يعرف الحلال من الحرام.

ثانيًا: لا بدَّ أن يفهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدقة، ولا عذر له في ذلك عند الله و"الحلال بيّن والحرام بيّن".

ونصيحتي للذين يصدقون هؤلاء الناس، ويجرون وراءهم ويخربون بيوتهم بعد أن خربوا عقولهم، وقلوبهم أن يسارعوا إلى التوبة الخالصة من هذه الآثام، وأن يكثروا من لوم نفوسهم على ما وقع منهم.

ثالثًا: الترك الفوري لهذه الجاهليات، وإلا فالمحاسبة الشديدة، فإن تابوا توبةً خالصةً ورجعوا، وإلا فالميدان واسع، وعليهم أن يذهبوا إلى من يماثلهم ويريحوا إخوانهم من تضييع وقتهم في إقناعهم.

رابعًا: يجب أن نبتعد عن الشرك وأسبابه، فالرياء وهو من الشرك أخفى من دبيب النمل وإبليس مادٌّ خرطومه إلى قلب ابن آدم، كما جاء في الأثر فإن ذكر الله خنس وهرب، وإن نسى ذكر الله التقم قلبه بخرطومه فصرفه كيف شاء.

وفي النهاية أذكر الجميع بقول الله عزَّ وجلَّ على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٣)﴾ (إبراهيم).

ونختم بهذا الدعاء: اللهم إنا نعوذ بك من كل شيء، ومن كلِّ ما يخالف شرعك، أو يوقع في غضبك، كما نسألك اللهم أن توفقنا وجميع المسلمين إلى الفقه في دينك، والثبات عليه، ونسألك أن تعيذنا جميعًا من مضلات الفتن، ومن شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا.

والحمد لله رب العالمين..

لجمعة - 31 - 12 - 2010 - الهجرة جهاد من أجل الدين - مسجد عفت.wav- د/ محمد جنانة

http://www.sefone.com/files_hosting/index.php/files/get/ujeITevOjx/31-12-2010-.wav

الأحد، 19 ديسمبر 2010

لجمعة -17-12-2010م-الهجرة دروس وعبر-2- عفت.amr- د/ محمد جنانة


http://www.sefone.com/files_hosting/index.php/files/get/6QnktuFLUt/17-12-2010-2-.amr

خواطر.. لماذا لا ندرس السيرة؟


بقلم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب

الأسوة والقدوة

لا بدَّ أن نذكر بفخر واعتزاز أن ديننا الرباني كان وما زال وسيظل في أعلى درجات حسن الجوار وكرم المعاشرة والأدب العالي الراقي، في الصلات بين الأمم والأفراد والجماعات.

إن الأصل العظيم في هذا الدين هو التعايش والتراحم والبر والصدق في القول والعمل، وها هو المهاجر العظيم صلى الله عليه وسلم، تطارده قريش، ويخرج متجهًا إلى المدينة، ونزل تحت ظل شجرة؛ فكان أول ما قاله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس: أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وألينو الكلام، وصلو الأرحام، وصلّو بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13﴾ (الحجرات).

يقول صاحب الظلال رحمه الله في معنى هذه الآية:

الذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم من ذكر وأنثى، وهو يطلعكم على الغاية، مَن جعلكم شعوبًا وقبائل.. إنها ليست التناحر والخصام؛ إنما هي التعارف والوئام، فأما اختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الطباع والأخلاق، واختلاف المواهب والاستعدادات؛ فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف، والوفاء بجميع الحاجات، وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله، إنما هناك ميزان واحد تتحد به القيم ويعرف به فضل الناس.. ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

إن دستور المدينة الذي وضعه صلى الله عليه وسلم بمجرد أن استقر في المدينة قد حقق بما لا يدع مجالاً للشك- كما روت كتب السيرة- أوضح صورة للتعايش والتعاون، كما يسعى إليه الإسلام، فقد تضمن حرية العقيدة والعبادة، وحرية الرأي، وحرية الهجرة والإقامة، وحرمة النفس والمال، وحرمة الجوار، ونصرة المظلوم، ومقاومة المعتدي، وإعانة المحتاج، وتحريم البغي والإفساد، وتحريم إيواء المجرمين والباغين والمفسدين أيًّا ما كانوا، كما تضمن فتح أبواب الصلح لِمَن أراده من المسلمين وغير المسلمين ودع جميع أهل المدينة إلى التعاون على البر دون الإثم، وأن يكونوا يدًا واحدة في الدفاع عن المدينة وحماية دار الإسلام من الأفاقين والمعتدين وقطاع الطرق، الذين يسعون في الأرض بالفساد والإفساد.

لكن اليهود كعادتهم وأخلاقهم الذميمة ولؤمهم وخسَّتهم غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وخانوا العهد وبيَّتوا الشر وسعوا بالإفساد في المدينة، وما كان المسلمون ليتركوا مفسدًا أو معتديًا أو باغيًا للشر أو ساعيًا للتخريب، ولذلك واجههم صلى الله عليه وسلم مواجهةً حاسمةً؛ فطهَّر منهم المدينة المنورة وطردهم شرَّ طردةٍ.

إن أساس الدولة الإسلامية أنها دولة دعوة وإرشاد، وبيان لما يجب على العباد نحو ربهم وخالقهم الذي رزقهم وسواهم.

لا يدعوهم إلى تقديس شخص، ولا هيئة ولا حاكم، بل يدعوهم إلى أن يوثقوا علاقتهم بربهم ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤﴾ (آل عمران).

وإن الأصل المجمع عليه بين المسلمين قاطبةً أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)﴾ (النحل).

الإسلام والتاريخ:

وبمناسبة الهجرة نذكر أن الدعوة الإسلامية بدأت بنزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت مكة المكرمة أرض الرسالة الأولى؛ لتبدأ منها رحلة طويلة من الجهاد والصراع والعناء والتضحيات، واضطر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الأوائل إلى أن يهاجروا إلى المدينة المنورة؛ حيث قامت هناك أول دولة إسلامية بقيادة الرسول العظيم وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.

ومن هناك دار صراع طويل ضدَّ الكفر والشرك والطغيان، انتهى بالنصر المبين في فتح مكة، ولا بدَّ أن نذكر هنا أن المسلمين لم يبدءوا أحدًا بقتال ولا بعدوان، بل دعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وننظر إلى غزوة بدر كانت قريبة من المدينة، وغزوة أحد وصل فيها المشركون إلى أطراف المدينة، وفي الأحزاب جمع اليهود كلَّ عربيدٍ وناقمٍ وملعونٍ؛ ليحاصروا دعوة الإسلام في المدينة، وحاصروها فعلاً ثلاثين يومًا، وكانت عناية الله وحده هي التي أنقذت الإسلام والمسلمين من هذه الذئاب المفترسة والكلاب الضالة، وردتهم على أعقابهم، وفي فتح مكة، قريش هي التي نقضت العهد بعدوانها على القبيلة التي بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد؛ فرد الله كيدهم في نحورهم بعد عدوانهم.

إن الإسلام وهو يفتح بلاد الله، ويرد كيد العدو في كلِّ مكان، لم يلجأ أبدًا إلى كتم الحريات، أو فتح أبواب السجون والمعتقلات، أو إلى تعذيب أحد من الناس، أو إكراه بلد مفتوح على الدخول في الإسلام، وقد حسم القرآن هذا الأمر بقوله تعالى : ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)﴾ (البقرة).

وإلى اليوم لم نسمع ولم نقرأ كلمةً واحدةً من أعدى أعداء الإسلام تقول: إن المسلمين أكرهوا أحدًا على اعتناق العقيدة؛ لأن العقيدة الإسلامية أعظم من ذلك، وأكرم من أن يُكره عليها أحد، لكن البلاد المفتوحة لما رأت عدل المسلمين وصدق الملسمين معهم ورحمته بهم انشرحت صدورهم، فدخلوا في دين الله أفواجًا، فأعادت الشعوب التي استظلت بظل الإسلام، وآوت إلى كنفه، ووجدت الصيانة من ظلم الملوك والأباطرة والقياصرة أعادت تشكيل نفسها كجزء من الأمة العربية ضمن الأمة الإسلامية الكبرى، وها هو عمر بن الخطاب ينادي بأعلى صوته: "لو عثرت بغلة على شط الفرات لسئلت عنها بين يدى الله: لِمَ لمْ أُسوّ لها الطريق؟" حتى الدواب تُكرَّم في ظل الإسلام، وتطمئن إلى أنها لا تُهمَل ولا تُعذَّب، فكان عمر بن عبد العزيز قد أصدر (فرمانًا) يمنع فيه أن تُحمَّل الدابة أكثر مما تطيق، بل يعاقب صاحبها على هذا السلوك!.

وها هو عمرو بن العاص عندما استعدّ لملاحقة الرومان في الإسكندرية، أُخبر بأن يمامة قد باضت فوق خيمته فقال: اتركوا لها الخيمة لا تروِّعوها.

لقد وجدت شعوب هذه المنطقة في الإسلام هدايتها، وما يستجيب لفطرتها، ويلبي حاجتها إلى الوحدة والعدالة، وإلى الأمن والأمان والقوة في الحق؛ بحيث لا يطمع غازٍ أو محتل أن يطأ هذه البلاد التي يحرسها أرواح المسلمين قبل أي شيء آخر.

هجرة وهجرة:

إن ترك الأوطان من أجل عقيدة دافعة، أو من أجل غاية دينية يراد تحقيقها أمر حدث في القرن الأخير، ولكن بينه وبين هجرة المسلمين الأولين بون بعيد.

لقد استطاعت الصهيونية في غفلة من الزمن وتقصير من العرب والمسلمين أن تتسلل إلى ديار الإسلام، وأغلى بقعة في بلاد المسلمين، بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأحاطوا بالمسجد الأقصى، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقف العرب يتفرَّجون، وانطلق شباب الإخوان لحماية الأرض المقدَّسة والدفاع عنها، فإذا بهم يُطعنون من الخلف طعنةً خبيثةً، ويُغتال مرشدهم وإمامهم على مرآى ومسمع من العالم كله، ويُوضَع الشباب في السجون والمعتقلات، ولقد استطاعت الصهيونية أن تجعل اليهودي الروسي يحتقر روسيته ويعتنق العبرية، والصهيوني الأمريكي يحتقر لغته الأمريكية ويهرع إلى إسرائيل، ومن جميع بقاع الأرض أقبلت الصهيونية بحقدها ومكرها وكيدها وكلِّ ألوان الانحطاط على ظهر الأرض تفتن وتفرِّق وتقتل وتسجن وتشرِّد أهل البلاد، والمستوطنات اليوم في إسرائيل تزرع كما نزرع الفجل والكرات.. بلا حدود ولا حساب، في كلِّ مكان يُطرَد أصحاب الأرض، ويحتلها الأنجاس، وأعراض المسلمين أُبيحَت وشبابهم قتل أو سجن أو طُورِد، وشيوخهم وعلماؤهم نزل بهم ما هو معلوم لدينا جميعًا.

هذه هجرة الشر وهجرة الباطل وهجرة اللصوص وهجرة الحيَّات والثعابين، أين هي من هجرة الأبرار الأحرار مع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم هجرة العلم وهجرة النور؟، إن الفرق بعيد وكبير بين هجرة العقارب التي تلدغ وهجرة خير خلق الله في أرض الله.

عبرة وعظة

يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله:

إن الجندي الصادق المخلص لدعوة الإصلاح يُفدي قائده بحياته، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها ووهنها، فما فعله علي رضي الله عنه ليلة الهجرة؛ من بياته على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم، تضحيةً بحياته في سبيل الإبقاء على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيها الأحباب..

لماذا لا تدرسون السيرة؟ ولماذا لا تتعمقون فيها؟ ولماذا لا تعيشونها، لا كذكريات، ولكن كحقيقة أضوأ من الشمس؟ وأين أنتم منها؟

إن هناك جملة أسباب تحدونا، وتدعونا إلى أن نغير موقفنا من سيرة سيد الخلق صلى الله صلى الله عليه وسلم، فلا نكتفي أبدًا بالقشور أو بما نسمع من مواعظ، بل لا بدَّ من التعمق والتأمل والجدية في دراسة ومعرفة والاقتداء بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.

من الأسباب:

أولاً: قوله تعالى ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر: من الآية 7)، فهذه الآية وآيات سواها وأحاديث تقتضي وجوب الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم اتباعًا حقيقيًّا شاملاً، ولا يتاح لنا ذلك إلا بأمور، في مقدمتها الاطلاع الواعي والغوص في الأعماق والنفس الطويل في البحث عن واقع حياته صلى الله عليه وسلم، وعن هديه في مختلف شئونه ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)﴾ (آل عمران).

قال أحد التابعين لأحد الصحابة: يا عم هل رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كان حالكم منه؟ قال: يا ابن أخي كنا نجهد في اللحاق به، وكان من أقربنا إلى العدو. فقال التابعي: يا عم.. والله لو رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبناه لما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه فوق رءوسنا اعترافًا بفضله.

ثانيًا: أن السيرة النبوية المطهرة هي التطبيق العملي والواقعي لمبادئ الإسلام الحنيف، وهي تحمل في ثناياها الدلالة التي توضح واقعية هذه المبادئ، وعلى كونها مبادئ عملية صالحة لاستئناف تطبيقها في حلبة الحياة إذا توفرت في أهلها الشروط الضرورية وهي: حسن فهمها، وحسن اتباعها، وإحكام العمل من أجلها، والإخلاص في ذلك كله.

ثالثًا: أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تعطينا سلوكًا حيويًّا مثاليًّا معصومًا شاملاً، لا يجد فيه أحدُّ الناس ذِهنًا، ولا أغزرهم علمًا وأدقهم ملاحظة مغمزنًا أو مطعنًا، فهي لذلك قدوة صالحة خليقة أن تنتهي بمتبعيها إلى الحق والخير في كل أمر ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ (الأحزاب).

رابعًا: أن دراسة السيرة في وعي وإمعان واتباع وتطبيق تدلنا على جانب مهم مع شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان نبيًا مرسلاً تحوطه عناية الله، ويتنزل عليه الوحي من السماء ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾ (النجم).

خامسًا: إن دراسة السيرة دراسة مبصرة تؤهل الأخ المسلم إلى حسن فهم كتاب الله؛ لأنها التطبيق العملي والواقعي لما فيه، وبيان عملي محسوس لما يشتمل عليه من معانٍ ومبادئ.
سادسًا: أن السيرة النبوية تمدنا بكيفية النهوض بواجب الدعوة العظيمة، وتمدنا بصورة تطبيقية للمنهج السديد، الذي يجب أن ينتهجه الداعية في ممارسته شئون الدعوة.

سابعًا: أن السيرة النبوية توحد مناهج الدعوة، وتجمعهم على كلمة واحدة، ويبتعدون عن أي خلاف أو نزاع.

ثامنًا: أن دراسة السيرة من خير ما يستعين به المسلم في تصحيح كثير من المفاهيم التي علقت ببعض النفوس، مثل حبه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، والتعبير الصحيح عن هذا الحبِّ.

تاسعًا: يصف الحق تبارك وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الغرُّ الميامين بقوله جلَّ شأنه ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)﴾ (الفتح).

يقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى:

إنها صورة عجيبة يرسمها القرآن الكريم بأسلوبه البديع.. صورة مؤلَّفة من عدة لقطات لأبرز حالات هذه الجماعة المختارة، حالاتها الظاهرة والمضمرة، فلقطة تصور حالتهم مع الكفار، ومع أنفسهم ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ ولقطة تصور هيئتهم في عبادتهم ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾، ولقطة تصور قلوبهم وما يشغلها ويجيش بها ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾، ولقطة تصور أثر العبادة والتوجه إلى الله في سمتهم وسحنتهم وسماتهم ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ ﴿ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ وهذه صفتهم فيها.. ولقطات متتابعة تصورهم كما هم في الإنجيل.. ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾

وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء من بعدهم لهم علينا واجبات وحقوق، لا بدَّ أن نؤدِّيها، ولا بدَّ أن نقترب منهم؛ لنرى العظمة في أسمى معانيها، ولقد وصفهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بقوله "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وبقوله "الله الله في أصحابي.. لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".

فليكف الذين لا يعرفون قدر هؤلاء الرجال، ولا يُدركون كون مدى عظمتهم، فلا بدَّ من العلم بأحوالهم وحقائقهم حتى تكون القدوة صالحة.

أيها الأحباب..

ثقوا تمامًا أن دراسة السيرة دراسةً جادةً مخلصةً تساعدنا في تصحيح مفاهيمنا الإسلامية وتجديد إيماننا، وفي الحديث "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ"

أيها الأحباب..

﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٤٤)﴾ (غافر).

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

دعوة الإخوان المسلمين النموذج الكامل لكل الدعوات الصادقة

بقلم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب

إذا نظرنا في تاريخ الحركات الدينية، وتاريخ الرسالات الإصلاحية، وتاريخ الدعوات الجديدة، فلن نجد قط كالرسالة الإسلامية التي استمدها الإخوان من الرسالة الكبرى، رسالة الإسلام.

وها هو الاستعمار الغربي الذي جثَّم على صدور المسلمين، ولم يستطع أن يغير شيئًا إلا قشورًا عند البعض؛ لأنه استعمار أعمى، استعمار غاشم، استعمار لا خلق له، ولا عقل، وها هو قد انقشع، وذهب إلى غير رجعة، ولئن ترك وراءه بعض العادات والتقاليد، وترك وراءه بعض الببغاوات الذين يقلدونه، ويتكلمون بلسانه، ويؤدون حركاته؛ فإن يقظة المسلمين في أي مكان، وانطلاق النور مرةً أخرى سيجعل هذه الآثار تختفي إلى الأبد.

حين ذهب الجيش المصري إلى اليمن، كتب أحد كتاب السلطة يقول: إن مهمة الجيش المصري في اليمن هي إيجاد خمائر حضارية في اليمن، وحين يتاح لك وترى اليمن ستضحك من هذا الكلام؛ فاليمن من أولها إلى آخرها جبال متراصة لا أول لها، ولا آخر، ولذلك لم تستعمر قط.

وحين قابلت أحد اليمنيين وسألته: ما (الخمائر الحضارية) التي غرسها الجيش المصري عندكم، وهل أثمرت، وما ثمارها؟ فجلس، وضحك كثيرًا، وقال: نعم، فالخمائر التي تركها عندنا سينما في صنعاء، وفي (الحديّدة) الميناء الوحيد، فأحضر لهما أفلامًا، فلم يذهب إليهما أحد، فجعلوا الدخول مجانًا فلم يدخل إليهما أحد أيضًا، فاضطروا لإغلاقهما(

وتعود بنا التجربة في هذه الأيام إلى أفغانستان؛ لنقرأ في الصحف أن الغباء الأمريكي والجهل، قد جعلهم يحضرون منذ شهور أكثر من أربعين امرأة من أمريكا تقوم بعمل المكياج للمرأة الأفغانية، ثم تدريب الأفغانيات على هذا الأمر.

ثم أحضروا قريبًا مئات الآلات الكاتبة، وجعلوها للرجال والنساء، وقلت في نفسي إن هذا الجهل من ذاك الغباء، فإن الشعوب لا تقاد من بطونها، ولا من شهواتها، ولا من هذه الأفكار الساذجة، ولذلك حين يخرج المستعمر من بلد إسلامي، يترك من ورائه اللعنة والحقد عليه؛ لأنه- للأسف- دخل كجزار متوحش لا يعرف إلا الذبح، والفتن والتآمر والكيد والأحقاد وزرع الضغائن، وهذه كلها وغيرها ظلمات بعضها فوق بعض.

وها هم اليهود تسللوا إلى فلسطين الدرة الغالية، وجعلوا تاريخهم الأسود، وحياتهم القذرة مفروشة بالدماء والأشلاء، وصبوا نقومهم وخستهم على الشعب المسلم المؤمن الوديع المستقر في حياته، فصبوا عليه العذاب والقتل والتجويع.

ماذا يقول التاريخ عن الاستعمار اللئيم سوى أن يصفه باللؤم والخسة، وأنها مجموعات من الذئاب والكلاب الضالة لا همّ لها إلا السلب والقتل والإجرام.

وهل يعتقد عاقل أن مثل هؤلاء وغيرهم له بقاء، أو استمرار؟

وهم يبنون بيوتهم على أرض اغتصبوها، وقتلوا أهلها، ونهبوا خيراتها، ماذا يقدم شارب الخمر، وهاتك الأعراض وصانع الربا؟ ماذا يفعل جنود إبليس وأحلاس الشر؟ وماذا يمكن أن يقول عنهم التاريخ؟

الإسلام بقي، واستقر لأنه يعمل من داخل النفوس فينيرها، ومن داخل القلوب فيهديها، ويرقى بها إلى الفضائل، ويدعوها برفق، ويعلمها العفو والصفح والتغافر والتسامح واحترام الإنسان لأخيه الإنسان، أيًّا كان، وتحريم الظلم؛ فالظلم ظلمات يوم القيامة، وها هو عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر، ومربيها على العدل والحرية، يخطئ ابنه مع ابن قبطي، يسابقه فيسبقه القبطي، فيضربه، ويقول له: أتسبق ابن الأكرمين، فما الذي حدث؛ إن والد القبطي وقد علم أن المسلمين يعدلون ولا يظلمون، وقد أحس بجو الحرية الذي أعطاه الإسلام للجميع، فيركب مع ابنه، وينطلق إلى المدينة، ويقدم شكواه إلى عمر بن الخطاب، فماذا كان من عمر؟ أرسل إلى مصر يستدعي عمرو بن العاص، هو وابنه، فيثبت أن ابنه اعتدى فعلاً على ابن القبطي، فيعطي ابن القبطي الدرة؛ ليضرب ابن عمرو فاتح مصر كما ضربه، وعندما انتهى أخذ عمر الدرة، وأعطاها لوالد القبطي، وقال له: اضرب عمرو بن العاص، فإن ابنه ما ضرب ابنك إلا بسلطان أبيه، فيقول القبطي: لا يا أمير المؤمنين، الآن اشتفت نفسي، فينظر عمر إلى عمرو؛ ليقرر أمرًا هو من صلب الإسلام، ومن صميم الإسلام، يقول له: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟"، فيقرر أن الحرية لا توهب، ولا تعطى من أحد بل يكتسبها الإنسان مع ولادته، ولا يجوز أن تسلب من مخلوق بصرف النظر عن دينه، أو ملته.

وإنما أطلنا في هذا لكي نقول للمتحاملين علينا، الذين يغمزون ويلمزون، ويتهمون أحيانًا الإخوان بالإرهاب، ولا يستحيون، ومما يقال أيضًا وأحيانًا على استحياء إن الإخوان يساعدون الحركات الإرهابية، وأحيانًا يقول بعض الصحفيين الذين نسوا أن الكلمة أمانة، وأنه مسئول عنها بين يدي الله يقولون: إن الإخوان يتخذون من الدين ستارًا، وإذا صرح أحد الإخوان يتصريح أوّلوه وحمّلوه ما لا يحتمل، ورتبوا عليه من خيالهم أشياء غريبة، وعجيبة لم تحدث أو يستحيل أن يفكر فيها الإخوان.

لكنهم بحمد الله، لهم تاريخهم الصحيح، والثابت الذي لا يماري فيه إلا مخادع أو مأجور.

أولاً: ينادي الإخوان الذين رضوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً، وأخذوا الشريعة بكاملها والإسلام بشموله، ينادون بالحرية لكل إنسان ولكل مخلوق.

أن يبدي رأيه، وأن يقول ما يريد، وشعارهم في هذا ما سبق أن ذكرناه، قول عمر رضي الله عنه لعمرو بن العاص رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟".

والإسلام جعل فك الرقبة، وتحرير العبيد، وإعطاءهم الحريات هو اقتحام العقبات التي يمر بها الإنسان في طريقه إلى الله تعالى، قال عزَّ وجلَّ ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) -البلد.

ثانيًا: أن الإخوان- بحمد الله- في تاريخهم الطويل قد أكدوا من خلال القول والعمل، ومن خلال الحقائق والوقائع أنهم جماعة من المسلمين، وليسوا أبدًا جماعة المسلمين، ودورهم حب الناس جميعًا، ومودتهم، ودعوتهم إلى التمسك بقيم الإسلام، وأخلاقه، والتحلي بآدابه، والعيش في إطار شريعته السمحاء.

ثالثًا: الإخوان لم يدخلوا الانتخابات ويرشحوا أنفسهم فيها طمعًا في دنيا أو حرصًا على مال، أو سعيًا وراء حكم كما يقول البعض، فإن الحكم لو دخل عليهم من باب لخرجوا من الباب الآخر تاركين له المجال، حتى تنضج هذه الأمة، وتعود بحق إلى ربها، وتعلو فوق العصبيات، بل دخولهم الانتخابات لأمر فوق ذلك وهو: تبليغ دعوة الله في مكان بعينه، وقول الحق والصدق في المشكلات التي تُعرض.

والانتخابات عندهم ليست من الأصول، ولا الفروض بل هي من الفروع، ومن الأخذ بالأسباب، والوسائل لتبليغ دعوة الله.

فإن تحققت بأعلى درجات الأدب العالي والأخلاق كان بها، وإن لم تتحقق إلا بغير ذلك فالأمر يسير، وعلى المتقاتلين عليها والمتآمرين من أجلها أن يذوقوا عاقبة مكرهم.

رابعًا: لقد أثبت الإخوان، وأعلنوا بالقول والعمل أنهم دعاة إلى الله عزَّ وجلَّ وليسوا قضاةً، وأن أسلوبهم في الدعوة يعتمد على الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة لقوله تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(النحل: من الآية 125)

فلم يديروا ظهورهم لأحد، ولم يقولوا كلمةً سيئةً لإنسان، بل يعفون ويصفحون لقوله تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159آل عمران(

خامسًا: لقد أكدوا طوال حياتهم أن غايتهم الله وحده والحرص على مرضاته، وطلب العفو منه.

وقد تعفّفوا عما في أيدي العباد، فلم يطلبوا من أحد منصبًا، ولم يتزلقوا إلى مخلوق، بل طلبوا حقهم بأدب المسلم، وأخلاق المؤمنين في ثقة أن الله عزَّ وجلَّ بيده كل شيء، فتوكلوا عليه وحده، واعتمدوا عليه وحده، وإن من يطمع فيما عند رب العباد، ويثق في فضله ثقة تامة لا يمكن أبدًا أن ينظر إلى هذا أو ذاك ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60القصص(

سادسًا: من هذه المنطلقات الدقيقة، والتي ترتكز على الإسلام، وعلى مفاهيمه الصحيحة، وتقوم على رسالة الحب والإخوة والخير، والأمن والحرية لكل الناس، وعلى دقة الفهم الصحيح لهذا الدين؛ هذا الفهم الذي يدفع صاحبه إلى العمل والتطبيق.

لم يكن الإخوان في يوم من الأيام يرضون عن الإرهاب ولا على من صدر منه، ويرفضونه رفضًا باتًا كانحراف ومرض، وسوء فهم، والإخوان- بحمد الله- أكبر من هذا، وأعز من هذا؛ لأن هذه الأشياء طفيليات وسطحيات بعيدة كل البعد عن هذا الدين، ونحن نؤكد هنا أننا كما صورنا الإمام البنا عندما أكثروا من الكلام معه: من أنتم؟ عرفونا بأنفسكم؟ فقال: (نحن والإسلام أيها الناس، فمن فهمه على وجهه الصحيح فقد عرفنا، كما يعرف نفسه، فافهموا الإسلام، أو قولوا عنا بعد ذلك ما تشاءون(

والذي ينظر إلى مفاهيم الإسلام الصحيحة، وإلى فرائضه ونظمه، وشموله وأخلاقه ومعاملاته، ويكون منصفًا سيقول فورًا: إن الإخوان هم الصورة التطبيقية العملية للإسلام.

لكنا لا نملك شيئًا للأحول، ولا للأعور ولا للذي في عينيه رمد، ولا لمن عجز عن فهم الإسلام، كيف لهذا، وأمثاله أن يعجز عن فهم حقيقة الإسلام، وأن يصدر حكمًا صحيحًا لو كان منصفًا ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ )الأنعام: من الآية 136)

سابعًا: لقد أكد الإخوان دائمًا ويؤكدون على ضرورة الحوار الجاد الذي يقوم أساسًا على الحجة والدليل، ولهم تاريخهم المضيء في مواجهة التطرف والتزمت والتخلف، ولهم مؤلفاتهم، ورسائلهم التي تزكي هذا وتؤيده، ورغم ما تتعرض له من مصادرات، فهي تملأ كل مكان ويقرؤها الخاصة والعامة، وقد قرءوها والحمد لله، واقتنعوا بها، وباتوا يتمنون أن تسود، وأن تعلو هذه الراية التي ارتفعت عالية للإسلام، تنادي به، وتدعو إليه وذلك فضل الله.

ثامنًا: ولقد افتري على الإخوان قديمًا وحديثًا، وبذلت محاولات شتى لتشويههم، أو تشويه تاريخهم، أو الإساءة إلى مرشدهم، وإلى الرجال الذين جاءوا من بعده، وحملوا الراية وبذلوا المهج والأرواح في سبيل أن تظل كلمة الله هي العليا، فلم يزد كل هذا دعوة الإسلام في القرن العشرين إلا نضوجًا وسعةً وانتشارًا وإقبالاً عليها، إنها الآن أصبحت فكرة ومنهجًا وغايةً.

تاسعًا: لقد أدخل الإخوان إلى السجون والمعتقلات، وما زالوا يعتقلون، وحورب الإخوان في وظائفهم، وأقواتهم وما زالوا يحاربون، وسجنوا السنوات الطوال، وما زالوا يسجنون، فهل نقص ذلك منهم شيئًا؟

بل ازدادوا عزمًا وإصرارًا، وفقهًا في دينهم، وحفظًا لقرآنهم، وثقةً في وعد ربهم قال تعالى ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ )142)آل عمران)، وقال تعالى عن طبيعة الدعوات التي لا تفارقها ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3العنكبوت(

عاشرًا: كل هذه الأهوال والسنوات الطوال التي زادتهم إيمانًا مع إيمانهم لم يفكروا أبدًا في عنف، ولا في أذى لمخلوق، ولا في قبول لأي فرد بدت عليه أمارات التطرف، أو العنف، بل جلسوا معه يشرحون له الإسلام ويبينون له حقيقته؟ وأن الصبر هو عنوانه، وما دمنا قرأنا الأمر به للنبي صلى الله عليه وسلم ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف: من الآية 35) وقوله تعالى ﴿.... وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (156 البقرة)، فيعود إلى رشده، ويئون إلى الحق، ويبرأ من الهوى ومن النفس الأمارة بالسوء، بفهمه الصحيح للإسلام.

حادي عشر: إن الإخوان وقد رأوا الكثير من العنت والعقبات التي توضع في طريقهم بقصد تعويقهم وصدهم عن أداء واجباتهم التي هي بمثابة الفرائض عندهم، فقد اتجهوا إلى كل الوسائل المشروعة، وقد مارسوها بطهر وعفة ورقي، وتركوا فيها الأسوة والقدوة التي لا ينكرها أحد، وأكدوا التزامهم بالمعايشة للجميع، بل سعوا إلى الجميع يمدون أيديهم إليهم في سبيل الحفاظ على هذا الوطن، والعمل لصالح هذه الأمة، والسعي لتحسين مستقبلها ووضعها، ومحاولات جادة منهم لنهضة الأمة النهضة الحقيقية التي تقوم على أسس ثابتة، وتثمر أعظم الثمرات، وليكونوا قدوة للأمة في العمل، والنهوض الخالص فوق الأطماع الرخيصة، والغايات التافهة، والمشاركة في اتخاذ القرار والمساندة والوحدة إزاء القضايا القومية والأزمات.

وبعد.. فأرجو أن يقرأ الإخوان هذا الموضوع وغيره وأن يفكروا في هذه الموضوعات التي يجب أن يفهمها الأخ المسلم، ويكون على وعي كامل بأهدافها، فإن كنا عليها فالحمد لله هي أخلاقنا، هي طباعنا، هي حياتنا، وهي مماتنا إن شاء الله.

عليها- إن شاء الله- نلقى المولى تبارك وتعالى، ويعطي من يستحق كتابه بيمينه، ويومها يفرح وينادي في المحشر ﴿اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ (الحاقة: من الآية 19)، فكونوا قبل فوات الأوان من هذا النوع الكريم عند الله، ولا بد أن تقرءوا في النافع والمفيد، فميراث الأسلاف في أيدينا، وفرض علينا أن نتفقه في ديننا، وأن نعرف دعوتنا، وأن نتعمق فيها، وأن نتزود من خيراتها، وأن نجني من ثمارها، فهي- والله- قطوف دانية وثمار شهية هي- والله- روح وريحان، وهي جنة الدنيا والآخرة، يقول الشاعر:

ومن العجائب والعجائب جمة .. قرب السبيل وما إليه وصول

كالعيش في البيداء يقتلها الظما .. والماء فوق ظهورها محمول

يا أخي الحبيب.. مد يدك إلى المصحف، واقرأ وتدبر واعمل وتب إلى الله من التقصير، واعزم على صدق التوبة، وحسن التوجه إلى الله عزَّ وجلَّ أنت والله بانتسابك لهذه الدعوة في موقع مشرف، وفي مكان طيب، تمضي في طريق المؤمنين الذين مضوا في طريق الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا (69النساء(

ويقول الشاعر المسلم في مكانة هذه الدعوة ومكانة حملتها لو صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يقول:

الله أكبر صوت الحق حادينا .. والحمد لله وحي الله هادينا

الله أكبر من يؤمن بقوتها .. يغلب بها الجمع لا يخشى المعادينا

الله أكبر صوت حين نرسله .. يبيد أعداءنا رُعْبًا ويحيينا

الله أكبر عنوان لدعوتنا .. وغيرنا راح يختار العناوينا

والحمد لله ترعانا عنايته .. ومن وساوس داء الجبن تشفينا

بعنا النفوس فلم نخسر ببيعتنا .. شيئًا فإن مليك الملك شارينا

أما النشيد ففي القرآن ننشده .. وحي الجلالة إن غَنَّاهُ تالينا

والله أكبر ولله الحمد

الاثنين، 13 ديسمبر 2010

حجت سبع مرات ولم ترى الكعبه


أمراه حجت 7 مرات ولم ترى الكعبه المشرفه .؟! هذه قصة تذرف منها الدموع............

هي قصة حقيقية وردت في قناة (اقرأ) مع الشيخ عبدالله شحاته في احدى البرامج التلفزيونيه..
اتصلت بالشيخ امرأة لتسأله عن ذنبها .
فيا ترى ماهذا الذنب الذي جعل المرأة لاترى الكعبه والعياذ بالله فلنستمع :
الى الحوار بين المرأة والشيخ.
اتصلت المرأة وقالت : السلام عليكم ياشيخ .
يرد عليها الشيخ السلام .
تسأل المرأة :ياشيخ انا عملت ذنبا كبيرا في حق ربي فهل يمكن أن يغفر الله لي ؟
يرد عليها الشيخ : ان الله غفور رحيم يقول الله تعالى قل ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لاتقنطوا من رحمة لله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم .
المرأة : لكني عملت ذنبا كبيرا وانا لدي احساس أن الله لن يغفر لي .
الشيخ : ان الله غفور رحيم يقول الله تعالى : (أن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما)
المرأة : أنا حجيت سبع مرات ولم أر الكعبه حتى الان .
الشيخ : ياالله يارب
المرأة : أدخل الحرم وأرى الطائفين ولكن لا أرى الكعبة لدرجة أن احدهم جعلني ألمس الكعبة بيدي ورغم أن الكعبة كبيرة الا اني لم أراها؟؟؟؟
الشيخ : مؤكد أنك عملت ذنبا عظيما فقولي : ماذا عملت بالضبط ؟
المرأة تتردد وتقول : ارتكبت فاحشة ، زنيت مع شخص لا أدري ماهو الذنب بالضبط .
الشيخ : مستحيل بل يوجد ماهو اكبر من هذا الذنب فماذا عملت ؟
المرأة سأقول الحقيقة : أنا ممرضة وكانت لي علاقة مع الدجالين الذين يصنعون السحر والاعمال باستخدام الجن وصنع الضرر للناس وكنت أقوم بالدخول على جثث الموتى وكنت أضع هذه الاعمال حسب تعليمات الدجالين في فم الموتى ثم اغلق فم الميت وأقوم بخياطة فمه ومن ثم يدفن مع الميت في قبره وقد عملت هذه الاعمال مرارا وتكرارا .
الشيخ وقد اشتد غضبه : انت لا يمكن ان تكوني انسانة أنت اشركت بالله أعوذ بالله الم تسمعي قول الله تعالى ان الشرك لظلم عظيم)
وفي نفس البرنامج بعد اسبوعين يتصل ابن الممرضة على الشيخ
ويدور بينهما هذا الحوار :
الابن :السلام عليكم أنا ابن المرأة التي اتصلت بكم أيها الشيخ قبل اسبوعين وكانت تعمل ممرضة .
الشيخ : نعم يابني .
الابن : ياشيخ توفيت امي وقد ماتت ميتة طبيعية ولكن الشيء الذي حصل ولم اكن اتصوره هو ماحصل ساعة الدفن فقد حملت امي مع بعض الناس لدفنها وعندما انزلناها الى القبر بعد حفره حصل امر عظيم وهو:أننا لم نستطع دفن الجثة حيث أننا كلما نزلنا كان القبر يضيق علينا فلا نستطيع الوقوف فيه ومن ثم نخرج ونعود ولكنه يزداد ضيقا حتى ذعرنا وخفنا كل من كان معي تركوني . حتى قال أحدهم : أعوذ بالله لابد أن امك عملت شيئا عظيما ؟
فتركوا امي على الارض لااحد يستطيع دفنها . فظللت ابكي حتى رأيت رجلا شديد البياض وكانت ملابسه بيضاء تسر
الناظرين فظننت انه ملك خصوصا بعد كلامه حيث قال لي : اترك امك مكانها واذهب ولا تلتفت وراءك فلم أنطق بكلمة واحدة وانصرفت ولكني لم استطع أن اترك امي دون أن أرى ماذا سيحدث لها .فالتفت فاذا شرارة هائلة من السماء تخطف امي وتحرقها وكان ضوء الشرارة شديدا جدا فاحترق وجهي بمجرد النظر لذلك المنظر ومازال
وجهي محترقا حتى الان فأنا لااعلم اذا كان الله غاضبا مني أم لا .
الشيخ والدموع تذرف من عينه والعبرة والالم تعتصر قلبه : يابني ان الله يريد أن يطهرك من عمل والدتك والعياذ بالله لانها كانت تصرف عليك من المال الحرام فاتق الله واستغفره وارض بما كتبه لك وعليك .

نسمع مثل هذه القصص كثيرا عبر القنوات المختلفة وان تحت الارض من هو أعتى منها ولكن لفظتها ارض لتكون عبرة لمن يعتبر .ونسوق هذه القصة المؤسفة حقا لكن من يذهب الى السحرة والمشعوذين وهم اليوم كثيرون وللاسف ، فليرجعوا الى الله ويتوبوا اليه فأن الله لايظلم احد . واذا زار أحدنا اماكن العلاج بالرقية الشرعية فأنه سوف يرى العجب ويسمع مايأنف الانسان من أن يسمعه .
فاتقوا الله ياعباد الله واعلموا ان الذهاب الى السحرة والمشعوذين لشرك عظيم قال تعالى : ( ومن يشركـ بالله فقد ضل ضلالابعيدا)

فضل صيام يوم عاشوراء


إن عاشوراء من أيام الله تعالى التي نسبها إلى نفسه العلية، فقد أمر موسى أن يذكر قومه بها ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ (إبراهيم: من الآية 5)، وأيام الله هي آياته ونعمه.. من نجاة موسى وقومه، ومن فرعون وظلمه وغشمه، وفلق البحر، وأنه تعالى أغرق فرعون وجنوده الظلمة المعتدين المكذبين، وإنزاله على بني إسرائيل المن والسلوى، إلى غير ذلك من النعم. وفي الحديث: "إن عاشوراء من أيام الله.." (من حديث مسلم: 1126، وأبو داود: 2443)، وعن قوله صلى الله عليه وسلم في الآية ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ قال: "بنعم الله تبارك وتعالى" (مسند أحمد: 5/122: 21027 حسن، ورواه غيره) , وفي الحديث: "هذا يوم عظيم يوم نجى الله فيه موسى وأغرق فرعون" (من حديث البخاري 3397، ومسلم 1130).. وفي رواية: "يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم" (حديث البخاري: 2004)، وفي رواية: "أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون.." (مسلم: 1130 وأبو داود: 2444)، وعن ابن عباس "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر (يعني رمضان)" (البخاري: 2006م)، وهذا يقتضي أن يوم عاشوراء من أفضل الأيام بعد رمضان ويوم عرفة.

صوم عاشوراء يكفر سنة: ومن فضل الله على الإنسان الذي من شأنه الخطأ والتقصير، أن جعل له أسبابًا للتوبة ومغفرة الذنوب، ومنها يوم عاشوراء، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم عاشوراء: فقال: "يكفر السنة الماضية" (مسلم: 1162)، ورُوي بألفاظ أخرى، (راجع ابن ماجة: 1738 والترمذي 752 كلهم في الصوم وأحمد 5/295: 22416 صحيح)

تعيين اليوم الذي نصومه: اختلف أهل العلم في يوم عاشوراء، فقال بعضهم هو اليوم العاشر، وقال بعضهم اليوم التاسع، وقال بعضهم نصوم التاسع والعاشر، وقال آخرون نصوم العاشر ويومًا قبله ويومًا بعده.. مع اتفاقهم جميعًا على أن هذا الصيام على سبيل الاستحباب وليس واجبًا.

- الرأي الأول: صيام العاشر من المحرم: وهو رأي أكثر الفقهاء، وذلك للأحاديث السابقة، وأنه صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء فعلاً وأمر بصيامه"، قال القرطبي: "عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم".. وقال ابن المنير: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر.. وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية.. (راجع فتح الباري 4/288).

وقال النودي: وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وممن قال ذلك... مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم، وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ. (راجع النووي شرح مسلم: ملزمة: 19/191 ط. الشعب).. قلت: ويؤيده ما رواه ابن عباس "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر" (الترمذي: 755 حسن صحيح)، وهذا الحديث صريح في الدلالة.

- الرأي الثاني: صيام يوم التاسع:فقد سُئل ابن عباس عن صيام يوم عاشوراء فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم (رواه مسلم: 1133 وأبو داود: 2446 والترمذي: 754 وأحمد: 1/239: 2135 صحيح)، وقال النووي: هذا تصريح من ابن عباس بأن مذهبه أن عاشوراء هو التاسع من المحرم، (النووي ملزمة 19/191 الشعب)، وهذا رأي ابن حزم، يقول: "ونستحب صوم يوم عاشوراء وهو التاسع من المحرم، وإن صام العاشر بعده فحسن" (22 المحلي: 6/438)، وقال ابن القيم: إن المستحب صوم التاسع فقط (عون المعبود: 7/111)

- الرأي الثالث: صيام التاسع والعاشر:وذلك للحديث "حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" قال: فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسلم: 1134/133)، وفي رواية "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" يعني يوم عاشوراء (مسلم في السابق /134 وأحمد: 1/225: 1971 صحيح، ورواه غيرهما).. قال النووي: قال الشافعي وأصحابه وأحمد وآخرون: يستحب صيام التاسع والعاشر جميعًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع.. ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر ألا يتشبه باليهود في إفراد العاشر، وقيل للاحتياط في تحصيل عاشوراء.. (راجع النووي في السابق والأحوذي شرح حديث الترمذي: 755)، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ويقول ابن القيم: والصحيح أن المراد صوم التاسع مع العاشر.

- الرأي الرابع: صيام يوم قبله ويوم بعده:أي صيام: 9، 10، 11 للحديث: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود: صوموا قبله يومًا أو بعده يومًا" (أحمد: 1/244 شاكر: 2154 حسن).. قال ابن حجر: كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب.. فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفتهم، كما ثبت في الصحيح.. ثم أمر بأن يُضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافًا لهم.. وهذا كان في آخر الأمر (راجع فتح الباري: 4/288).. وقال ابن القيم: إن رواية أحمد كانت عقب قوله صلى الله عليه وسلم "لأصومن التاسع" يبين مراده صلى الله عليه وسلم (راجع عون العبود: 7/111 في الهامش), وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب: أدناها أن يُصام وحده، وفوقه أن يُصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر والله أعلم: (راجع فتح الباري: 4/289).. فالأفضل صيام: 9، 10، 11 ثم يليه: 9، 10 ثم يليه 10 ثم 9 والله أعلم. تعليم الصبيان صوم عاشوراء: قال الرواة: فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوَّم صبياننا الصغار منهم- إن شاء الله- ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة.. فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار.. وفي رواية: نصنع لهم اللعبة.. فنذهب.. فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة، حتى يتموا صومهم (راجع التعليق على حديث مسلم: 1136)

حكم صيام عاشوراء: إجماع الفقهاء على استحباب صيامه، قال النووي: وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض، وإنما هو مستحب.. أما قول ابن مسعود: كنا نصومه ثم تُرك، فمعناه أنه لم يبق كما كان من الوجوب، وتأكد الندب.. (راجع شرح مسلم ملزمة: 19/184)، فالفقهاء أجمعوا على استحبابه لكثرة الأحاديث الواردة.. وهذا يكفي في استحباب صيامه كما نقل الإجماع، في عون المعبود جـ7/108.

ونسأل الله أن يتقبل منَّا صيامنا وصالح أعمالنا في هذه الأيام المباركة.. والله المستعان