
بقلم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب
الأسوة والقدوة
لا بدَّ أن نذكر بفخر واعتزاز أن ديننا الرباني كان وما زال وسيظل في أعلى درجات حسن الجوار وكرم المعاشرة والأدب العالي الراقي، في الصلات بين الأمم والأفراد والجماعات.
إن الأصل العظيم في هذا الدين هو التعايش والتراحم والبر والصدق في القول والعمل، وها هو المهاجر العظيم صلى الله عليه وسلم، تطارده قريش، ويخرج متجهًا إلى المدينة، ونزل تحت ظل شجرة؛ فكان أول ما قاله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس: أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وألينو الكلام، وصلو الأرحام، وصلّو بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13﴾ (الحجرات).
يقول صاحب الظلال رحمه الله في معنى هذه الآية:
الذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم من ذكر وأنثى، وهو يطلعكم على الغاية، مَن جعلكم شعوبًا وقبائل.. إنها ليست التناحر والخصام؛ إنما هي التعارف والوئام، فأما اختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الطباع والأخلاق، واختلاف المواهب والاستعدادات؛ فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف، والوفاء بجميع الحاجات، وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله، إنما هناك ميزان واحد تتحد به القيم ويعرف به فضل الناس.. ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
إن دستور المدينة الذي وضعه صلى الله عليه وسلم بمجرد أن استقر في المدينة قد حقق بما لا يدع مجالاً للشك- كما روت كتب السيرة- أوضح صورة للتعايش والتعاون، كما يسعى إليه الإسلام، فقد تضمن حرية العقيدة والعبادة، وحرية الرأي، وحرية الهجرة والإقامة، وحرمة النفس والمال، وحرمة الجوار، ونصرة المظلوم، ومقاومة المعتدي، وإعانة المحتاج، وتحريم البغي والإفساد، وتحريم إيواء المجرمين والباغين والمفسدين أيًّا ما كانوا، كما تضمن فتح أبواب الصلح لِمَن أراده من المسلمين وغير المسلمين ودع جميع أهل المدينة إلى التعاون على البر دون الإثم، وأن يكونوا يدًا واحدة في الدفاع عن المدينة وحماية دار الإسلام من الأفاقين والمعتدين وقطاع الطرق، الذين يسعون في الأرض بالفساد والإفساد.
لكن اليهود كعادتهم وأخلاقهم الذميمة ولؤمهم وخسَّتهم غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وخانوا العهد وبيَّتوا الشر وسعوا بالإفساد في المدينة، وما كان المسلمون ليتركوا مفسدًا أو معتديًا أو باغيًا للشر أو ساعيًا للتخريب، ولذلك واجههم صلى الله عليه وسلم مواجهةً حاسمةً؛ فطهَّر منهم المدينة المنورة وطردهم شرَّ طردةٍ.
إن أساس الدولة الإسلامية أنها دولة دعوة وإرشاد، وبيان لما يجب على العباد نحو ربهم وخالقهم الذي رزقهم وسواهم.
لا يدعوهم إلى تقديس شخص، ولا هيئة ولا حاكم، بل يدعوهم إلى أن يوثقوا علاقتهم بربهم ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤﴾ (آل عمران).
وإن الأصل المجمع عليه بين المسلمين قاطبةً أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)﴾ (النحل).
الإسلام والتاريخ:
وبمناسبة الهجرة نذكر أن الدعوة الإسلامية بدأت بنزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت مكة المكرمة أرض الرسالة الأولى؛ لتبدأ منها رحلة طويلة من الجهاد والصراع والعناء والتضحيات، واضطر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الأوائل إلى أن يهاجروا إلى المدينة المنورة؛ حيث قامت هناك أول دولة إسلامية بقيادة الرسول العظيم وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
ومن هناك دار صراع طويل ضدَّ الكفر والشرك والطغيان، انتهى بالنصر المبين في فتح مكة، ولا بدَّ أن نذكر هنا أن المسلمين لم يبدءوا أحدًا بقتال ولا بعدوان، بل دعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وننظر إلى غزوة بدر كانت قريبة من المدينة، وغزوة أحد وصل فيها المشركون إلى أطراف المدينة، وفي الأحزاب جمع اليهود كلَّ عربيدٍ وناقمٍ وملعونٍ؛ ليحاصروا دعوة الإسلام في المدينة، وحاصروها فعلاً ثلاثين يومًا، وكانت عناية الله وحده هي التي أنقذت الإسلام والمسلمين من هذه الذئاب المفترسة والكلاب الضالة، وردتهم على أعقابهم، وفي فتح مكة، قريش هي التي نقضت العهد بعدوانها على القبيلة التي بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد؛ فرد الله كيدهم في نحورهم بعد عدوانهم.
إن الإسلام وهو يفتح بلاد الله، ويرد كيد العدو في كلِّ مكان، لم يلجأ أبدًا إلى كتم الحريات، أو فتح أبواب السجون والمعتقلات، أو إلى تعذيب أحد من الناس، أو إكراه بلد مفتوح على الدخول في الإسلام، وقد حسم القرآن هذا الأمر بقوله تعالى : ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)﴾ (البقرة).
وإلى اليوم لم نسمع ولم نقرأ كلمةً واحدةً من أعدى أعداء الإسلام تقول: إن المسلمين أكرهوا أحدًا على اعتناق العقيدة؛ لأن العقيدة الإسلامية أعظم من ذلك، وأكرم من أن يُكره عليها أحد، لكن البلاد المفتوحة لما رأت عدل المسلمين وصدق الملسمين معهم ورحمته بهم انشرحت صدورهم، فدخلوا في دين الله أفواجًا، فأعادت الشعوب التي استظلت بظل الإسلام، وآوت إلى كنفه، ووجدت الصيانة من ظلم الملوك والأباطرة والقياصرة أعادت تشكيل نفسها كجزء من الأمة العربية ضمن الأمة الإسلامية الكبرى، وها هو عمر بن الخطاب ينادي بأعلى صوته: "لو عثرت بغلة على شط الفرات لسئلت عنها بين يدى الله: لِمَ لمْ أُسوّ لها الطريق؟" حتى الدواب تُكرَّم في ظل الإسلام، وتطمئن إلى أنها لا تُهمَل ولا تُعذَّب، فكان عمر بن عبد العزيز قد أصدر (فرمانًا) يمنع فيه أن تُحمَّل الدابة أكثر مما تطيق، بل يعاقب صاحبها على هذا السلوك!.
وها هو عمرو بن العاص عندما استعدّ لملاحقة الرومان في الإسكندرية، أُخبر بأن يمامة قد باضت فوق خيمته فقال: اتركوا لها الخيمة لا تروِّعوها.
لقد وجدت شعوب هذه المنطقة في الإسلام هدايتها، وما يستجيب لفطرتها، ويلبي حاجتها إلى الوحدة والعدالة، وإلى الأمن والأمان والقوة في الحق؛ بحيث لا يطمع غازٍ أو محتل أن يطأ هذه البلاد التي يحرسها أرواح المسلمين قبل أي شيء آخر.
هجرة وهجرة:
إن ترك الأوطان من أجل عقيدة دافعة، أو من أجل غاية دينية يراد تحقيقها أمر حدث في القرن الأخير، ولكن بينه وبين هجرة المسلمين الأولين بون بعيد.
لقد استطاعت الصهيونية في غفلة من الزمن وتقصير من العرب والمسلمين أن تتسلل إلى ديار الإسلام، وأغلى بقعة في بلاد المسلمين، بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأحاطوا بالمسجد الأقصى، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقف العرب يتفرَّجون، وانطلق شباب الإخوان لحماية الأرض المقدَّسة والدفاع عنها، فإذا بهم يُطعنون من الخلف طعنةً خبيثةً، ويُغتال مرشدهم وإمامهم على مرآى ومسمع من العالم كله، ويُوضَع الشباب في السجون والمعتقلات، ولقد استطاعت الصهيونية أن تجعل اليهودي الروسي يحتقر روسيته ويعتنق العبرية، والصهيوني الأمريكي يحتقر لغته الأمريكية ويهرع إلى إسرائيل، ومن جميع بقاع الأرض أقبلت الصهيونية بحقدها ومكرها وكيدها وكلِّ ألوان الانحطاط على ظهر الأرض تفتن وتفرِّق وتقتل وتسجن وتشرِّد أهل البلاد، والمستوطنات اليوم في إسرائيل تزرع كما نزرع الفجل والكرات.. بلا حدود ولا حساب، في كلِّ مكان يُطرَد أصحاب الأرض، ويحتلها الأنجاس، وأعراض المسلمين أُبيحَت وشبابهم قتل أو سجن أو طُورِد، وشيوخهم وعلماؤهم نزل بهم ما هو معلوم لدينا جميعًا.
هذه هجرة الشر وهجرة الباطل وهجرة اللصوص وهجرة الحيَّات والثعابين، أين هي من هجرة الأبرار الأحرار مع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم هجرة العلم وهجرة النور؟، إن الفرق بعيد وكبير بين هجرة العقارب التي تلدغ وهجرة خير خلق الله في أرض الله.
عبرة وعظة
يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله:
إن الجندي الصادق المخلص لدعوة الإصلاح يُفدي قائده بحياته، ففي سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها ووهنها، فما فعله علي رضي الله عنه ليلة الهجرة؛ من بياته على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم، تضحيةً بحياته في سبيل الإبقاء على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحباب..
لماذا لا تدرسون السيرة؟ ولماذا لا تتعمقون فيها؟ ولماذا لا تعيشونها، لا كذكريات، ولكن كحقيقة أضوأ من الشمس؟ وأين أنتم منها؟
إن هناك جملة أسباب تحدونا، وتدعونا إلى أن نغير موقفنا من سيرة سيد الخلق صلى الله صلى الله عليه وسلم، فلا نكتفي أبدًا بالقشور أو بما نسمع من مواعظ، بل لا بدَّ من التعمق والتأمل والجدية في دراسة ومعرفة والاقتداء بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
من الأسباب:
أولاً: قوله تعالى ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر: من الآية 7)، فهذه الآية وآيات سواها وأحاديث تقتضي وجوب الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم اتباعًا حقيقيًّا شاملاً، ولا يتاح لنا ذلك إلا بأمور، في مقدمتها الاطلاع الواعي والغوص في الأعماق والنفس الطويل في البحث عن واقع حياته صلى الله عليه وسلم، وعن هديه في مختلف شئونه ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)﴾ (آل عمران).
قال أحد التابعين لأحد الصحابة: يا عم هل رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كان حالكم منه؟ قال: يا ابن أخي كنا نجهد في اللحاق به، وكان من أقربنا إلى العدو. فقال التابعي: يا عم.. والله لو رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبناه لما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه فوق رءوسنا اعترافًا بفضله.
ثانيًا: أن السيرة النبوية المطهرة هي التطبيق العملي والواقعي لمبادئ الإسلام الحنيف، وهي تحمل في ثناياها الدلالة التي توضح واقعية هذه المبادئ، وعلى كونها مبادئ عملية صالحة لاستئناف تطبيقها في حلبة الحياة إذا توفرت في أهلها الشروط الضرورية وهي: حسن فهمها، وحسن اتباعها، وإحكام العمل من أجلها، والإخلاص في ذلك كله.
ثالثًا: أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تعطينا سلوكًا حيويًّا مثاليًّا معصومًا شاملاً، لا يجد فيه أحدُّ الناس ذِهنًا، ولا أغزرهم علمًا وأدقهم ملاحظة مغمزنًا أو مطعنًا، فهي لذلك قدوة صالحة خليقة أن تنتهي بمتبعيها إلى الحق والخير في كل أمر ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ (الأحزاب).
رابعًا: أن دراسة السيرة في وعي وإمعان واتباع وتطبيق تدلنا على جانب مهم مع شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان نبيًا مرسلاً تحوطه عناية الله، ويتنزل عليه الوحي من السماء ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾ (النجم).
خامسًا: إن دراسة السيرة دراسة مبصرة تؤهل الأخ المسلم إلى حسن فهم كتاب الله؛ لأنها التطبيق العملي والواقعي لما فيه، وبيان عملي محسوس لما يشتمل عليه من معانٍ ومبادئ.
سادسًا: أن السيرة النبوية تمدنا بكيفية النهوض بواجب الدعوة العظيمة، وتمدنا بصورة تطبيقية للمنهج السديد، الذي يجب أن ينتهجه الداعية في ممارسته شئون الدعوة.
سابعًا: أن السيرة النبوية توحد مناهج الدعوة، وتجمعهم على كلمة واحدة، ويبتعدون عن أي خلاف أو نزاع.
ثامنًا: أن دراسة السيرة من خير ما يستعين به المسلم في تصحيح كثير من المفاهيم التي علقت ببعض النفوس، مثل حبه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، والتعبير الصحيح عن هذا الحبِّ.
تاسعًا: يصف الحق تبارك وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الغرُّ الميامين بقوله جلَّ شأنه ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)﴾ (الفتح).
يقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى:
إنها صورة عجيبة يرسمها القرآن الكريم بأسلوبه البديع.. صورة مؤلَّفة من عدة لقطات لأبرز حالات هذه الجماعة المختارة، حالاتها الظاهرة والمضمرة، فلقطة تصور حالتهم مع الكفار، ومع أنفسهم ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ ولقطة تصور هيئتهم في عبادتهم ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾، ولقطة تصور قلوبهم وما يشغلها ويجيش بها ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾، ولقطة تصور أثر العبادة والتوجه إلى الله في سمتهم وسحنتهم وسماتهم ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ ﴿ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ وهذه صفتهم فيها.. ولقطات متتابعة تصورهم كما هم في الإنجيل.. ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء من بعدهم لهم علينا واجبات وحقوق، لا بدَّ أن نؤدِّيها، ولا بدَّ أن نقترب منهم؛ لنرى العظمة في أسمى معانيها، ولقد وصفهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بقوله "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وبقوله "الله الله في أصحابي.. لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
فليكف الذين لا يعرفون قدر هؤلاء الرجال، ولا يُدركون كون مدى عظمتهم، فلا بدَّ من العلم بأحوالهم وحقائقهم حتى تكون القدوة صالحة.
أيها الأحباب..
ثقوا تمامًا أن دراسة السيرة دراسةً جادةً مخلصةً تساعدنا في تصحيح مفاهيمنا الإسلامية وتجديد إيماننا، وفي الحديث "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ"
أيها الأحباب..
﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٤٤)﴾ (غافر).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق