بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 يونيو 2010

إرادة الأمة.. بين التزوير والتعذيب[24/06/2010][14:57 مكة المكرمة]


رسالة من: أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن والاه..
السنن الكونية تحذِّر من الفساد والانحراف
كثير من الحضارات سادت ثم بادت، فأصبحت حصيدًا كأن لم تغنَ بالأمس, وكل حضارة سيطر عليها نوع بارز من الانحراف الذي جرَّ عليها الوبال والدمار بعد أن أعرضت عن هدي الله, ولا يحدث ذلك إلا إذا انحرفت الأنظمة والأفراد عن هدي الله، واتبعوا أهواءهم، وطغوا وتكبَّروا، وسعوا في الأرض فسادًا، يقول الله عزَ وجلَّ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم: 41).

ولمَّا كانت أيدي الناس هي الأساس في الظلم والزور والتزوير؛ كان العقاب الإلهي بإذاقتهم بعض عملهم؛ حتى يعودوا إلى ربهم، ويمتنعوا عن الفساد والظلم والتزوير.

ألا وقول الزور
شهادة الزور هي أن يشهد الإنسان بغير الحق, فشهادة الزور سببٌ لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب؛ لأن فيها ضياعَ حقوق الناس وظلمهم وطمس معالم العدل والإنصاف، ومن شأنها أن تعين الظالم على ظلمه، وتعطي الحق لغير مستحقيه، وتقوِّض أركان الأمن، وتعصف بالمجتمع وتدمِّره, ولذلك فقد ورد ذمَّها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (الفرقان: 72)، ويقول تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (الحج: من الآية 30)، ويقول تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾ (المجادلة: من الآية 2).

ويحذِّر الرسول صلى الله عليه وسلم من الزور وقوله والعمل به فيقول: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (رواه البخاري)، وعن أبي عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنهما عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متَّكِئًا فجلس، ثم قال: ألا وقول الزور, ألا وشهادة الزور, فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت" (رواه البخاري).

التزوير وقلب الحقائق
وشهادة الزور تؤدي إلى قلب الحقائق, ولذلك جاء في الحديث الشريف: "سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّنُ فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة"، قيل: وما الرويبضة؟! قال: الرجل التافه في أمر العامة" (رواه ابن ماجة).

ولعل هذه الصفات تنطبق أشدَّ الانطباق على أيامنا هذه؛ التي صار فيها الحق باطلاً والباطل حقًّا، وصار الزيف والزور خُلُقًا شائعًا، وصار التافهون يتحدثون في عظائم أمور المسلمين, بل تُقلب الحقائق جهارًا نهارًا في كثير من المواقع، ولا يُستجاب للمخلصين الذين لا يبغون إلا الخير، فهل هذا إلا الزور بعينه؟! وإذا كانت شهادة الزور تعدل الإشراك بالله في حال كانت القضية تمس الفرد فما بالنا بتزوير إرادة الأمة؟!

إن الدول التي تزوِّر لا تبحث عن رضا الشعوب؛ حيث الشعوب لا وزن لها في حساباتها، وإنما تبحث عن رضا المزوِّرين الذين وقفوا بجانبها وساندوها، فهؤلاء يقومون بالتزوير، ثم تفتح لهم خزائن الدولة بعد ذلك للنهب والسلب, وفي كل الانتخابات التي تتم في بلدان العالم الحر إذا لم يفِ الحاكم بوعوده فإنهم ينتظرونه في الانتخابات التالية ليسقطوه, ولذلك فالحاكم يعمل لناخبيه ألف حساب، بينما في بلادنا لا يعبأ الحاكم بشعبه؛ لأنه لا يستمد منه شرعيته، وإنما يستمدها من المزوِّرين.

التزوير وشرعية النظام
على الرغم من أن مصر عرفت الانتخابات البرلمانية وتداول السلطة في ظل دستور 1923م فإنه منذ ثورة يوليو 1952م وحتى الآن لم تُجرَ انتخابات نزيهة ولو مرةً واحدةً، بل كانت جميعها مزوَّرةً، ولا تعبر عن هيئة الناخبين، ولا تسفر إلا عن التأييد الساحق لمرشحي الحكومة، سواءٌ كانت الانتخابات رئاسيةً أو تشريعيةً أو محليةً.

واللجوء إلى التزوير عادةً يسبقه انحراف تشريعي بإصدار تشريعات تنظِّم الانتخابات، وتخالف الدستور، وتهدف إلى استمرار الحزب الحاكم في السلطة، كما حدث في تعديل المادة 76، ونتج من ذلك إهدار إرادة الناخبين، وإهدار مبدأ تكافؤ الفرص، ومنع المواطنين من إبداء الرأي، واستئثار الحاكم بكل السلطات، وانتشار النفاق والكذب في مجتمع المثقفين، وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية, وانتشار السلبية واللجوء إلى العنف، ومن ثم عدم شرعية المجالس المحلية والشورية والشعبية، بل الرئاسية؛ ما يطعن في شرعية النظام الحاكم بل النظام السياسي بأكمله.

القتل والتعذيب من أعراض التزوير
فمن أجل تزوير انتخابات 2005م قُتل 14 مواطنًا ولم يحرِّك أحدٌ ساكنًا، ولو كنا في بلد آخر لقامت الدنيا ولم تقعد، وفي أعقاب تزوير انتخابات الشورى قُتل الشاب خالد سعيد بالإسكندرية, وحين استخدمت السلطة أبواقها الإعلامية لمحاولة إقناع الرأي العام بأن القتيل مجرم وليس شهيدًا فتمَّ تشويهه وهو ميت بعد أن هُشِّمت رأسه وتمَّ تشويهه وهو حيٌّ، لكن يأبى الله إلا أن يفضح هذه السلطة بعد أن انتشرت أصداء الفضيحة في الداخل والخارج، وانتقدها المتحدث الأمريكي فأمرت بإعادة التحقيق مرةً أخرى.

ومن الغريب أن أمريكا التي انتقدت التعذيب في مصر هي نفسها التي أقامت سلخانات التعذيب في أفغانستان والعراق وفي سجون جوانتانامو.

الإسلام سبق العالم في مناهضة التعذيب
في 26 يونيو الحالي سيحتفل العالم باليوم العالمي لمناهضة التعذيب، وقد سبق الإسلام ذلك كله عندما حرَّم الله تعالى الاعتداء على نفس المسلم، فالحياة هبة من الله يحرم الاعتداء عليها ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ (الأنعام: من الآية 151).

بل إن الله اعتبر من قتل نفسًا واحدةً كأنه قتل الناس جميعًا، وقد شرع الإسلام القصاص عقوبةً رادعةً لمن يقدم على حرمان شخص من هبة الحياة التي وهبها له الخالق، فيقول تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: من الآية 179).

والكرامة حق للشعوب كفله لها الخالق وليست كما قال يومًا أحد الحكام المستبدين لشعبه: أنا الذي خلقت فيكم الكرامة، فالمجتمع العزيز الكريم هو المجتمع القوي المنتج المدافع عن أرضه.

وحرَّم الإسلام إيذاء الإنسان دون ذنب ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ (الأحزاب: 58).

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (رواه مسلم)، وقد صان الإسلام كل حقوق غير المسلمين بشكل قاطع، وقال صلى الله عليه وسلم: "من آذى ذميًّا فأنا حجيجه يوم القيامة".

الإسلام وحرية الرأي
رغم أن أمريكا عاشت تجربة التفرقة العنصرية في الستينيات؛ فإن السود استطاعوا أن يحصلوا على حقوقهم، بل استطاعوا أن يكون لهم أول رئيس أسود في تاريخ أمريكا؛ لأن هناك آليةً للوصول إلى الحق، وهي الانتخابات، كما أن هناك حرية الاختيار بدون تزوير أو تزييف.

وإذا كانت الحرية في الغرب تتحلل من كل القيود فإن الحرية في الإسلام تعني الحرية الملتزمة بالشرع والمرتبطة بالفطرة السليمة؛ حتى إن المرأة في الجاهلية كانت تسأل في دهشة: أوتزني الحرة؟!

إن الحرية السياسية ليست إلا فرعًا لأصل إسلامي عام هو حرية الإنسان؛ من حيث هو إنسان، والمقررة بنصوص قطعية في الكتاب والسنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لا يكن أحدكم إمَّعة؛ يقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت".

وما أرسل الله من رسل وما شرع لهم الشرع إلا ليَحيَوا أحرارًا، وليعرفوا كيف يأخذون بأسباب الحياة والحرية وما انتشر الإسلام في الأمم إلا لما شاهدت فيه من تعظيم للحياة والحرية وتسوية بين الناس فيهما مما لم تعرفه تلك الأمم من قبل.

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشدِّد على عمرو بن العاص وينهره قائلاً: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!"؛ دفاعًا عن ابن أحد أقباط مصر آذاه ابن الأمير.

وللأمة حرية اختيار حاكمها، ومن حقها أن يشاورها فيما يريد تنفيذه فيما يتعلق بشئونها، ولا تكون قرارات الحاكم فردية أو غير موافقة لرأي الأمة، وللأمة الحق في مراقبة الحاكم، ومحاسبته على أعماله وأعمال معاونيه "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم".

هكذا خاطب الصديق أبو بكر المسلمين عند ولايته، وكما يحق للأمة تولية الحاكم يحق لها عزله إذا أخل بالتزاماته.

إننا نهيب بالأمة أن تبادر بالذَّود عن حقوقها التي قررها الله تعالى لها، واستعادتها من أيدي مغتصبيها، وأن يقوموا على حراستها من المتربِّصين بها، ويعلموا أنها ليست منحةً من بشر يحق له أن يسلبها منها أو يهبها إياها وحينئذٍ نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح للقيام بدورنا الذي اختصَّنا به سبحانه في قوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...﴾ (آل عمران: من الآية 110).
والله من وراء القصد.

الخميس، 24 يونيو 2010

من لقي منكم خالد النبوي.. فليقْتُله..!



Jun 24 2010

علينا أن نقضي على "النبوي" قبل أن يُصبح "عمر الشريف" الجديد

نداء عام: من لقي منكم الفنان خالد النبوي فليقتله..!! هذا الشاب المثقّف نجح في مصر ورفع اسمها في المحافل العالمية، لذا ينبغي أن يتم اغتياله فوراً عملاً بالمبدأ الذي نعتنقه "الناجح لن نتركه يصعد.. علينا أن نجره إلى سابع أرض".. علينا أن ندفنه بالحيا.. أن نقضي عليه قبل أن يُصبح "عمر الشريف" الجديد!.
كيف لهذا الفتى أن يقف إلى جوار نجوم السينما العالمية على السجادة الحمراء لمهرجان "كان"، مشاركاً بفيلم في الجائزة الرسمية، وهو الذي قدّم من قبل واحداً من أفضل أفلام السينما العالمية "مملكة الجنة".. كيف لهذا "المتهم" أن ينجح ويتفوّق في الأداء بشهادة الجمهور في فيلمه الحالي "الديلر"، الذي يحقق إيرادات ضخمة في دور العرض؟!دخل خالد النبوي عش الدبابير.. فرغم تألّقه منذ بداية مشواره الفني وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، بدأ مؤخراً في صياغة حالة سينمائية مختلفة.. فنان مثقف له رؤية وفِكر.. يُجيد التحدّث باللغة الإنجليزية مثل أهلها.. تطلبه "هوليوود" في أفلام عدة، فيشترط قراءة السيناريو أولاً.. يرفض ما يتناقض مع قناعاته وقضايا أمته العربية.. هو قومي عروبي مصري بلون قمح الأرض.. الوحيد الذي خرج وهَتَفَ في مظاهرات ضد إسرائيل.. وقف يوماً وهو لا يزال في مقتبل حياته الفنية أمام الرئيس مبارك.. يومها شدا كِبار النجوم بقصائد المديح، بينما طالب هو رئيس الدولة بدعم وحماية صناعة السينما.. قال له بأدب واحترام لمقام الرئاسة إن السينما صناعة وطنية تدر على مصر منذ ظهورها دخلاً كبيراً، وهي أيضاً "القوة الناعمة" التي تنشر الثقافة المصرية والثقل الوطني في الأمة العربية.. قالها ولم يخف.. ولكنه اليوم يخشى -قطعاً- حملة غوغائية تسعى إلى اغتياله فنياً وسياسياً.. والسبب أنه شارك في الفيلم العالمي "اللعبة العادلة"، الذي شاركت فيه أيضاً ممثلة إسرائيلية دون أن يعلم "المتهم المصري"..!وفيلم "اللعبة العادلة" لمن لا يعرفه، بطولة النجم العالمي "شون بن" المعروف بعدائه الشديد لإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، والسيناريو مأخوذ عن قصة حقيقية، ويكشف زيف ادّعاء إدارة "بوش" بوجود أسلحة نووية في العراق، وهو -أيضاً- يفضح الحرب الأمريكية على العراق واحتلالها في عام 2003، ويُدافِع الفيلم بقوة عن صورة العرب وحقوق العراقيين.. ويؤدي "النبوى" في الفيلم دور عالم عراقي يكشف كذب المزاعم الأمريكية..ومؤخراً نشرت صحيفة إسرائيلية تصريحاً للممثلة الإسرائيلية تدّعي فيه صداقتها لخالد النبوي.. عادة إسرائيلية قميئة ووقحة لدق إسفين في الجسد المصري.. وعادة مصرية أصيلة أن نبتلع الطُعم، ثم نُشهر سكاكين زائفة في وجه أحد أبنائنا "مطلوب اغتيال خالد النبوي".. صحافة مصرية ساذجة وباحثة عن "مانشيت مثير" لم تُصدّق فناناً اعتدناه صادقاً، وتصدّق من يغرق الكرة الأرضية كل صباح كذباً وإفكاً..!هذا ليس دفاعاً عن خالد النبوي.. ولكنه صرخة في وجه "أعداء النجاح" في مصر.. حزب يزداد اتساعاً كل يوم.. حقد أعمى له رأس أفعى.. يتحرّك بعشوائية لينفث سمومه في جسد أي ناجح.. والكارثة أن الحملة التي استهدفت "النبوي" في بعض وسائل الإعلام تحركها أصابع من داخل الوسط الفني.. أصابع أصيب أصحابها بدوار من نجاحه.. فهذا الزمن ليس كزمن صعود "عمر الشريف".. هذا زمن "الاغتيال المجاني بدم بارد".. نغتال فناناً شارك في فيلم عربي الهوى والقضية؛ لأن نجاحاته تفتح أفقاً جديداً لمصر..!اقتلوا خالد النبوي واصلبوه على أبواب دور العرض.. ولكن لماذا الإصرار على اغتيال مصر؟!
عن المصري اليوم

الثلاثاء، 22 يونيو 2010

عمرو موسى: عدم فوز الإخوان في الشورى غير طبيعي[21/06/2010][20:32 مكة المكرمة]


أكد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه ليس من الطبيعي عدم حصول جماعة الإخوان المسلمين على أي مقاعد في انتخابات مجلس الشورى التي عُقدت مؤخرًا.

وأضاف خلال برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه سليمان جودة على قناة (دريم 2) أثناء رده على سؤال حول رأيه في انتخابات مجلس الشورى التي جرت مؤخرًا: إنه من غير الطبيعي ألا يحصل الإخوان المسلمون على مقعدين أو ثلاثة بل خمسة وستة.

وعندما سأله مقدم البرنامج هل عدم فوز الإخوان في الانتخابات يرجع لتراجع شعبيتهم أم أن هناك أمورًا أخرى هي التي أدت لذلك؟!، قال عمرو موسى: "مش طبيعي إن الإخوان المسلمين بما لهم من تواجد في الشارع المصري لا يفوزوا بمقعدين أو ثلاثة أو خمسة وستة، أعتقد أن هذا ليس متعلقًا بالشعبية وإنما متعلق بأمور أخرى".

وأكد موسى أنه من السابق لأوانه الحديث عن موضوع انتخابات الرئاسة، مشيرًا إلى أنه سينتخب الرئيس مبارك إذا رشح نفسه في هذه الانتخابات، وأنه لا يفكر في ترشيح نفسه في هذه الانتخابات، رافضًا الدخول في تفاصيل أخرى حول ترشح الدكتور محمد البرادعي.

وفيما يتعلق بالدبلوماسية العربية قال موسى إنها دبلوماسية ميتة، وليس لها تأثير في كل القضايا التي تحيط بالمنطقة، واصفًا الدبلوماسية التركية في المنطقة بأنها دبلوماسية نشطة ولكنها هادئة، كما وصف الدبلوماسية الإيرانية بأنها نشطة ولكنها زاعقة، مؤكدًا أن كلتا الدبلوماسيتين أثَّرتا بالإيجاب في المنطقة، في الوقت الذي اختفت فيه الدبلوماسية العربية، وهو ما يتطلب أن يكون هناك حوار لتفعيل هذه التحركات مع التحرك العربي.

وفيما يتعلق بعملية السلام قال الأمين العام للجامعة العربية إن عملية السلام فشلت، بل إنها ماتت ويجب الذهاب لمجلس الأمن ليس من أجل تحريك عملية السلام، وإنما من أجل تحميل المجتمع الدولي مسئوليته في القضية الفلسطينية، والتصدي للإجرام الصهيوني.

وحول قضية جنوب السودان أكد موسى أن فرص الوحدة أو الانفصال متساويتان، إلا أن هناك توجهًا إلى الانفصال، ويتطلب منا إذا حدث انفصال فإنه يجب أن يكون هادئًا.

الجمعة، 18 يونيو 2010

المستشار البشري: الإسلام سبيل الأمة للإصلاح

أكد المستشار طارق البشري المفكر الإسلامي، ونائب رئيس مجلس الدولة الأسبق؛ أن عودة الأمة إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية هو الأمل الوحيد للإصلاح، مشيرًا إلى أن تاريخ الحركات الإصلاحية دائمًا يخرج من العباءة الإسلامية.

وأضاف في ختام جلسات مؤتمر "مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي" بمقر جامعة الدول العربية اليوم؛ أن أكبر مشكلة يعاني منها المسلمون الآن، والتي أدت به إلى السقوط في القاع؛ هي الفرقة وعدم الوحدة.

وشدَّد البشري على ضرورة مواجهة مخططات المجتمع الغربي لتحطيم وحدة الأمة العربية والإسلامية، بما فيه تحقيق مصالحه بغض النظر عن مصالحنا، ولو كلفه ذلك شن الحروب.

ودعا إلى ضرورة وضع رؤية وحلم لتوحيد العالم الإسلامي مستقبلاً؛ لتعود الخلافة الإسلامية، كما كنا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أمة متماسكة في ظل خلافة واحدة، مؤكدًا أن التبعية العمياء للعالم الغربي أبرز عوامل الشتات والتخلف في عالمنا الإسلامي.

الشريعة الإسلامية أمان لكل البشر[17/06/2010][15:15 مكة المكرمة]


رسالة من: د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين
الإسلامُ دينٌ ودولة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..فقد استقرَّ في طِبَاعِ الْعُقَلَاءِ مِن الناسِ التَّسْلِيمُ بوجوبِ العيْشِ في جماعةٍ لها قوةٌ ونظامٌ وقانونٌ يَمْنَعُهمْ مِن التَّظَالُمِ، وَيَفْصلُ بَيْنَهُم فِي التَّنَازُعِ وَالتَّخَاصُمِ، وتطوَّرَتْ صورةُ هذه الجماعةِ حتى استقرَّتْ على صُورَةِ الدَّولة، وقَبِلَ الناسُ على مرِّ العُصورِ أن يُعْطُوا مِن قوَّتِهم لقُوَّةِ الدولةِ، ويتَخَلَّوْا عن بعضِ قُدْرَتِهم لصالحِ تقويةِ النظامِ والجماعةِ، لتفرِضَ هَيْبَتَها وسطوتَها، التي تُخْرِجُ الحقَّ مِن الظَّالِمِ، وَتَدْفَعُ الكَثِيرَ مِنْ المظالمِ، وَتَرْدَعُ أَهْلَ الفسَادِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى المقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ، ويتحقَّقُ بها العَدلُ والاطمِئنانُ، وَلوْلا ذلك لَكَانُوا فَوْضَى مُهْمَلِينَ، وَهَمَجًا مُضَاعِينَ، وَقَدْ قيل:
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لَهُمْ وَلا سَرَاةٌ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
وبهذا جاءَ الإسلامُ الحنيف، ودعا إلَى اختِيَارِ مَنْ هُو لِلْقيادة أَصْلَحُ، وَبِتَدْبِيرِ مَصَالِحِ الناسِ أقْوَمُ وَأَعْرَفُ، حتَّى ينْتَظِمَ أمرُ النَّاسِ على العدْلِ، وتَستقيمَ أحوالُهم عَلَى الانضباطِ، وتُحْفَظَ حياتُهُم من القَلَقِ والاضطرابِ، ويَسْتَقِرَّ معاشُهم في ظلالٍ مِنَ الأمْنِ والكرَامةِ الإنسانيَّةِ، ودَعَا الجميعَ إلى احترامِ هذا النظامِ، حتى قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: "الملْكُ وَالدِّينُ أَخَوَانِ، لَا غِنًى لأحَدِهِمَا عَنْ الْآخَر، فَالدِّينُ أُسٌّ وَالملكُ حَارِسٌ، فَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُسٌّ فَمَهْدُومٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَارِسٌ فَضَائِعٌ".

ولِكيْ يحصُلَ ذلك فإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى وضَعَ قواعدَ العدْلِ وأصولَ الحُكْمِ الرشيدِ في القرآنِ العظِيم ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: من الآية 89)، وألْقَى اللهُ على لسانِ نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم تفسيرَ ما وَرَدَ في القرآنِ، وأَوْكَلَ إليهِ تقديمَ صُورةٍ تطبيقيَّةٍ عمليَّةٍ للحُكْمِ الرَّشيدِ، فحَفَلَ دِينُ الإسلامِ العظيم نظريًّا وعمليًّا بالتي هي أَقْوَمُ في تقريرِ الحقوقِ، وحِفْظِ الحرِّيَّاتِ، وضَمانِ الحياةِ الكريمةِ للنَّاسِ جميعًا، وبذلك كَمُلَ الدينُ وتمَّت النِّعْمةُ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3).

الشريعة الإسلامية تحمي غير المسلمين:
في ظِلالِ الشريعةِ الإسلامية السمحة وحدَها تَمَّ السماحُ لغيرِ المسلمين من اليهودِ والنصارى بالاحتفاظِ بخُصُوصِيَّاتِهم، وبالاحْتِكامِ لشرائعِهم فيما يتعلَّقُ بأحوالِهم الشخصيَّةِ ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (المائدة: من الآية 48) وتمَّ استثناؤُهم مِنْ بعضِ التشريعاتِ من الواجباتِ أو المحرَّمات التي ليستْ مُقَرَّرةً عندَهم، وفي ظِلِّ الشريعةِ الإسلامية وحدَها مُنِع ازْدِراءُ الأدْيانِ أو إهانةُ الرُّموزِ الدينيَّة، ولذلك لم يَكُنْ غريبًا أنْ تلجأَ الكنيسة في مصر إلى الشريعةِ الإسلاميَّةِ؛ لتأكيدِ حقِّ النصارَى في التَّحَاكُمِ إلى شريعتِهم، كما كان الحال دائمًا منذ الفتح الإسلامي وحتى الآن، ومن الواضحِ لكُلِّ ذي بصيرةٍ أنَّ الاحتكامَ إلى الشريعةِ الإسلاميةِ هو وحدَه الذي يُحقِّقُ استقرارَ المجتمعِ ويحافظُ على تَعَدُّدِيَّتِه الدينيَّةِ ويعطي كل ذي حق حقه، في إنصافٍ واضحٍ، يحمي الوحدة الوطنية، ويحافظ على النسيج الاجتماعي لأبناء الوطن الواحد.

الشريعة الإسلامية هي التي تحمي كرامة الإنسان وحريته:
إنَّ القانونَ الوضعيَّ مهما كان إِحْكَامُه لا يُمْكنُ أن يقومَ بذاتِ الدَّوْرِ الذي تقومُ به الشريعةُ في بَسْطِ الأمْنِ والعدالةِ والحُرِّيَّةِ؛ لأنَّ القانونَ ليستْ له تلك القداسةُ والسَّطْوةُ الأخلاقيَّةُ والرُّوحيَّةُ التي تختصُّ بها الشريعةُ، التي تتعاملُ معَ ضمائرِ الناسِ في ذاتِ الوقتِ الذي تُوَجِّهُ فيه سُلوكَهم، ومِنْ ثَمَّ لا يقعُ في نفسِ المخالِفِ للقانونِ الوضعيِّ ذلك الخوفُ من الله والحَرَجُ والقلَقُ النفسيُّ ووَخْزُ الضميرِ الذي يقعُ لمن يُفَكِّر في مخالَفةِ الشريعة، بلْ ربَّما كان أولُ الملتفِّينَ على القانون هو ذاته الذي وضع القانونَ، ويعرفُ مواطنَ الخلَلِ فيه، بل ربما عُدَّ التحايل على القانون لونًا من الذكاء وضربًا من المهارة.

في ظلِّ القانونِ الوضعيِّ فإنَّ الحاكمَ يسهُلُ عليه أن يتحوَّلَ إلى مُسْتَبِدٍّ، دون أن يحس بالحرج، ويصبحُ القانونُ أداةً طيِّعةً في يده يستخدمُها لمصلحتِه ويُغَيِّرُها متى شاء، وقد رأيْنا في مصر كيف يتحوَّل القانونُ، بل الدستورُ إلى سيفٍ يستخدمُه النظامُ المستبِدُّ، الذي يُعَدِّلُ الدستورَ ويتلاعبُ به رغْمًا عن إرادةِ الأُمَّة، ويستغِلُّ الأغلبيةَ المزيَّفة لتمريرِ القوانينِ سيئةِ السمعَة، بل المقنِّنةِ للفساد والحاميةِ للمفسدين، دون أدنى مبالاةٍ أو اكتراثٍ للنتائجِ الوخيمةِ المترتبةِ على هذا العبث، والمسقِطةِ لهيْبَةِ وقيمةِ ومعنى الدولةِ في نفوس المواطنين.

الآثار المرة لغياب الشريعة الإسلامية وتعاظم الاستبداد:
في غيْبةِ الشريعةِ الإسلامية وتَغَوُّل الاستبدادِ تصبحُ القوةُ فوق الحقِّ، وتصبحُ وظيفةُ بعضِ المؤسساتِ القانونيةِ تنفيذَ إراداتِ السلطةِ المستبدة، بدلاً من إرساءِ العدلِ، وتحقيقِ مصالحِ الأمة، واسألوا لجنة الانتخابات العليا عما جرى في مهزلة انتخابات مجلس الشورى في مصر.

وفي غَيْبةِ الشريعةِ الإسلامية وتَغَوُّل الاستبدادِ أصبحتْ وظيفةُ المؤسساتِ الأمنيةِ ملاحقةَ معارضي الاستبداد، والتنكيلَ بخصوم المستبد، بدلاً من ملاحقةِ المفسدين ومتابعةِ عصاباتِ الإجرامِ، وأُطلِقتْ يدُ السلطة في العبث بكرامة الناس وحياتهم وحرمانهم من حقوقهم.

وفي ظل غَيْبةِ الشريعةِ الإسلامية وتَغَوُّلِ الاستبدادِ يكثرُ الظلم والاعتقالُ للشرفاءِ، وتمتلئُ السجونُ في بلاد كثيرة بذوي الكفاءاتِ والمهاراتِ العلميةِ؛ لمجرد أنهم يرفعون أصواتَهم ضدَّ الفسادِ والاستبدادِ والتزويرِ الفجِّ لإرادة الأمة، ويُوَسَّدُ الأمرُ إلى غيرِ أهله، وتخلو الساحةُ لضعافِ العقولِ والنفوسِ الذين يؤثرون مصالحهم الخاصة على مصالح الوطن والأمة، فتشيع– تبعًا لذلك- الأنانيَّاتُ الفرديةُ، وتتمزَّقُ شبكةُ العلاقاتِ الاجتماعيةِ، وتهتزُّ قيمةُ العدلِ في نفوس المواطنين.

ومن ثَمَّ تحصُلُ المظالمُ في شتى مناحي الحياة، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا، وتُبْطِئ أو تتوقفُ، بل تتراجعُ عملية التنمية، وتنْزَوِي قيمُ الوطنيةِ والرجولةِ والأخلاقِ النبيلةِ؛ لتحِلَّ محلَّها أخلاقُ الانتهازيَّة والوُصولية، ويلجأُ القوِيُّ لأخْذِ حقِّهِ بيدِه، ويجد المواطنُ العاديُّ البسيطُ نفسَه مضطرًا لتقديم الرِّشَى لاستخلاصِ بعضِ حقوقه، والسلامة من التعرُّض للظلمِ، فيضيعُ معنى الدولة، وتتعرَّضُ الأمةُ للهلاك، ورضي الله عن علي بن أبي طالب الذي قال في أَوَّل كِتَابٍ كَتَبَهُ بعد أن تولى الخلافة: "أَمَّا بَعْد، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْحَقَّ حَتَّى اشْتُرِيَ، وَبَسَطُوا الْجَوْرَ حَتَّى افْتُدِيَ".

وإنَّ أبسطَ الناسِ تفكيرًا لَيَرَى كيف غابت حقيقةُ الدولةِ بعد أن اختُزِلَت في سلطان وسطوة قوى الأمن؛ الذي أكثرُ همِّه ومبلغُ علمِ القائمين عليه: عَدُّ الأنفاسِ على الناسِ، وحرمانُ الكفاءاتِ من الوظائفِ والمناصبِ المستحقةِ لهم، وتلفيقُ القضايا للشرفاءِ، والتضييقُ عليهم وإرهابُهم وإهدارُ كرامتهم، في انحرافٍ فجٍّ في استعمال القانون، مما ينذرُ بأوخمِ العواقب.

شتَّان بين دولةٍ أساسُ الحكم فيها السجنُ والكرباجُ والتعذيبُ والمحاكمُ الاستثنائية، تضيعُ فيها الحقوقُ، ويشيعُ فيها الإحساسُ بالظلمِ.. وبين دولةٍ تحكمُ بالشريعة الإسلامية العظيمة، ويقول حاكمُها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوُلاته: "أدِرُّوا علَى المسلمينَ حقوقَهم، ولاَ تَضْرِبُوهم فَتُذِلُّوهُمْ، وَلاَ تُجَمِّرُوهُمْ (أي لا تحبسوهم بغير حق) فَتَفْتِنُوهُمْ، ولا تُغْلِقُوا الأَبْوَابَ دونَهم، فَيَأْكُلَ قَوِيُّهم ضَعِيفَهم، ولا تَسْتَأْثِرُوا عليهم فتَظْلِمُوهُم، ولا تَجْهَلُوا عليهم".

وفي غيابِ الشريعةِ الإسلامية وتَغَوُّلِ الاستبدادِ تسودُ قِيَمُ النفاقِ التي تفترس المظلومين من أذكياء الأمة ومحروميها، ويبرز تيارٌ سُلطويٌّ من المثقفين والإعلاميين تكون مهمتُه تبريرَ تصرفاتِ الحكامِ المستبدِّين الضالَّةَ وأوضاعَهم المنحرفةَ، فيبرِّرون جوْرَهم وقسوتَهم على الأمة برعاية المصالحِ الكبرى لها، ويبرِّرون تفريطَهم وتخاذُلَهم أمام عدوِّهم بأنه من باب السياسة الواعية، وفي ذات الوقت يصفون المعارضةَ السياسيةَ لهم بالخروجِ والبغيِ والعِمالةِ والخيانة، وينعتون النصيحةَ الشرعيةَ الواجبةَ لهم بالتمَرُّد، ويعدُّون نقدَهم للنظامِ من بابِ الإهانةِ لرموزِ الدولة، ويستحقُّ المعارضُ الناصحُ الأمينُ الموتَ والإخراجَ من الأرض، بل ومن الدين إذا اقتضى الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هكذا نرى أن غياب الشريعة الإسلامية يفسدُ الفطرةَ البشريةَ، ويُهَدِّدُ الحياةَ المجتمعيَّةَ، ويقلِّص من فرص الإبداع والإنجاز، ويحطِّمُ فضائلَ النفس البشرية، ويُحَلِّل مقوماتِها، ويغرسُ فيها طباعَ العبيد، ويُشْعِرُ الفردَ بالضآلة والمهانة، فينشأُ نشأةً لا يَثِقُ فيها بنفسه، ولا يقدرُ على اتخاذ القرار الذي يناسبُه، فتنشأُ الأجيالُ في ظل الاستبداد الأعمى عديمةَ الكرامة، قليلةَ الغَنَاء، ضعيفةَ الأخذ والرد.

ولا سبيل إلى إنقاذ الأمة العربية والإسلامية من هذا الوضع المتردي إلا التعاون والتنسيق بين المخلصين من أبناء هذه الأمة، وعدم الاستجابة لمكائد الأنظمة المستبدة الحريصة على التفريق بين طوائف الأمة وأطيافها؛ لتظلَّ يدُها طليقةً في العبث بمقدَّرات الأمة ومستقبلها، والإخوان المسلمون أينما وُجدوا ومن منطلق الإحساس بالمسئولية سيبقون يمدُّون أيديهم لكل القوى المخلصة والحية دون استثناء، لتوحيد الرؤى وتكامل الجهود في مواجهة هذا العبث والاستهتار؛ حتى تنهض أمتنا من كبوتها، وتتبوأ المكانة التى تستحقها بين بقية أمم الأرض.
والله أكبر ولله الحمد

السبت، 12 يونيو 2010

القصيدة التى القاها الحمار

قصيده من حمار اتخنق: عجبى عليك يا ابن ادم قومت الدنيا وما قعدت لما قالولك حمارهو اسمى شتيمه ولا جنسى ده عار خلقنى ربى وخلقك ومحدش له خياروانا مهما زاد الحمل فوقى صابر على المشوار ولا يوم اقول اشمعنىولا فى يوم ابص لرزق غيرى واطق منه واغارولا ارفع فى يوم عنيا على جارتى واصون الجارولا مهر ادفع لحمارتى ولاشبكه وسوار ولا شقه اجمع فى تمنهاولا اجهز دار ولا حرمى حامل تتوحم على الكافيارولا بنتى تخرج عن طوعى وتجيب العارولا ابن يدمن ويهلوس ويقع ينهار عايش فى حالى متهنى وليه افكار !!!باكل واشرب وانهق ومافيش اسرار وعندى ابن ادم يخدمنى ليل ونهاران جعت يشترى برسيمى بأغلى الاسعار وفى مرضى يفضل يعالجنىويدعى ويقول يا ستارخادم امين من غير راتب ولا حتى ايجاروالان عرفت يا ابن ادم ....مين فينا الحمار؟؟؟

نموذج مواجهة الإمام البنا للضغوط والأزمات[01/03/2010][14:52 مكة المكرمة]

بقلم: د. محمد عبد الرحمن
* إن الراصد لأسلوب الإمام البنا، وطريقته في مواجهة الصعاب، والضغوط، وفي التعامل مع الحكومات، أو مختلف الأعداء، ليدرك مدى عمق رؤيته، ومدى براعته وحكمته، كان الإمام الشهيد يدرك تمامًا أن الأنظمة، والحكومات في عدائها للدعوة، والجماعة لا تتحرك من دوافع ذاتية فقط، وإنما تخضع للتأثير والتوجيه الأجنبي الذي يستهدف السيطرة على هذه البلاد، وإنفاذ مشروعها ومخططها، وأهدافها الحالية والمستقبلية.

وأن هذه القوى عندما تضغط، أو تدفع، وتحفز هذه الأنظمة التي تحولت إلى أدوات رخيصة في يد الأجنبي- لضرب الجماعة- فإنها لا تبالي برد فعل الشعب تجاهها، أو بالأثر السلبي الذي يعود عليها، أو على الوطن ككل.

ولهذا كان الإمام الشهيد يحرص على ألا يستعجل الصدام، والمواجهة، أو يلجأ إلى الاستفزاز، بل وعند المواجهة لا يوسع من مساحتها، ولا يصعّد من مراحلها، ولا يمكنهم من تصفية الجماعة بردود أفعال غير متزنة، أو مدروسة، بشرط ألا يؤثر ذلك على جوهر العمل، والحركة.

وإذا فُرضت على الجماعة هذه المواجهة، أو ذلك الصدام، واجهه الإمام بصبر وثبات، وحرص على استمرار العمل بوسائل شتى، وتحقيق تماسك الجماعة، والثبات على الأهداف والمبادئ مهما حدث.

* عندما خرجت المظاهرات من الأزهر بقيادة الإمام الشهيد تجاوبًا مع القضية الفلسطينية ارتفعت بعض الشعارات التي تندد بالملك، وتهتف بسقوطه، فوجههم الإمام أن يهتف بعضهم بعدها بـ"يحيا الملك"، وتمت المظاهرة، وحققت أهدافها، وبذلك استطاع أن يلطف من جو الاستفزاز الذي قد سببته بعض الشعارات، ليواصل بعدها العمل الجماهيري، وحشد الشعب لتأييد القضية الفلسطينية.

* كما كان الإمام يحرص على أن يبقى هناك باب مفتوح، مع القوة المعارضة والمنافسة، ومع الحكام، حتى مع ألد أعداء الدعوة ممن ينتسبون إلى الوطن؛ وذلك ليتمكن من إرسال الرسائل التي تحقق مصلحة الدعوة، وتقلل من حدة العداء، والاستعداء، كما يمكن عن طريقها نزع فتيل بعض الأزمات، أو تأجيل حدوثها، أو حتى تخفيفها إذا حدثت؛ مما يحقق مساحة أوسع للدعوة وتهدئة للأجواء حولها، فالدعوة تنمو تنطلق في الجو الهادئ المستقر، وجهود الإصلاح تكون ثمرتها أسرع في تلك الأحوال الهادئة.

* كان الإمام حريصًا على فتح قنوات اتصال عن طريق عناصر متعاطفة، أو وسيطة تحب التفاهم مع الجماعة، أو قادرة على حمل رسالة محددة، لجميع القوى التي حكمت البلاد في هذه المرحلة.

وعندما ازداد الضغط على الجماعة في محنة 1948م، وكان يعلم جيدًا الضغط الخارجي، وأن النظام والملك يستهدف الجماعة ويستهدف قتله؛ استمر يحاول فتح قنوات الاتصال، وتهدئة الأحوال، وإرسال الرسائل حتى آخر لحظة؛ وذلك لتهدئة الضغط، والرد على الأسباب الواهية التي افتعلوها لضرب الجماعة، وليس ذلك خوفًا، أو جزعًا، وإنما لصالح الدعوة، والتفافًا حول المعوقات والضغوط.

والإخوان مع ذلك لا يهابون المعتقلات والسجون، أو يساومون بها على دعوتهم، أو يجعلهم ذلك يحجمون ويتأخرون، وإنما ميزان الفصل في هذا هو متطلبات الخطة ومستهدفاتها، والحرص على مصلحة الدعوة، ومراعاة الضوابط الحاكمة في تلك المرحلة، ويحتملون كل أذى في سبيل دعوتهم.

* والإمام الشهيد في حركته، ودعوته لا ينطلق من مجرد رؤية محدودة، أو رد فعل لأحداث، وإنما كانت له رؤيته الإستراتيجية، وتخطيطه بعيد المدى، وضوابطه، وتوجهاته الحاكمة لخطواته، وحركته، ووسائله.

ففي الوقت الذي كانت الأحزاب والقوى الوطنية مفتونة بتشكيلاتها العسكرية المسماة بالقمصان الخضراء، والزرقاء، والحمراء، إلخ، وتقوم باستعراضاتها، وفرد عضلاتها، وسطوتها، وتفرح بتهليل فئات من الشعب لها، والحديث عن قوتها؛ رفض الإمام الشهيد أن يجاريها في ذلك رغم المغريات وحماس الأفراد، وكان أن أصر على تشكيل فرق الكشافة، والجوالة بالشورت، والقميص الكاكي، وبالشارات المتعارف عليها في نظام الكشافة.

وقد كان رحمه الله موفقًا في ذلك، فبعد عدة سنوات تم حل تلك التشكيلات العسكرية بقرار نهائي، وبقيت جوالة، وكشافة الإخوان في الميدان؛ لأنه لم يكن ينطبق عليها ذلك، وهي أيضًا تشكيل رسمي معترف به دوليًّا.

* وعندما ضغطت عليه مجموعة من الأفراد بالجماعة بشأن اتخاذ مواقف عنيفة، واللجوء إلى بعض مظاهر القوة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومجاراة بعض الأفعال التي صدرت من تجمعات، وقوى أخرى مثل مصر الفتاة، رفض هذا النهج لأنه خروج على الإستراتيجية، والضوابط الحاكمة؛ مما تسبب في خروج وانشقاق تلك المجموعة من الشباب التي عُرفت بشباب محمد، ثم ما لبثت الأحداث أن احتوتها، واستوعبتها، وأثبتت الأيام مدى عمق رؤية الإمام الشهيد.

* وفي مذكرات الدعوة، والداعية يذكر الإمام الشهيد أول معركة مواجهة مع الإدارة الأجنبية بشأن المسجد الذي تم إنشاؤه في شركة الجباسات بالإسماعيلية، وانتداب الشيخ محمد فرغلي رحمه الله لإدارة المسجد، والتدريس فيه، فقامت تلك الإدارة بمحاولة إقصاء الشيخ فرغلي، واستبداله بآخر من عندها حتى لو تطلب الأمر غلق المسجد، وذلك لمواجهة تأثيره الدعوي والإصلاحي على عمال الشركة.

ونرى في هذه الوقعة كيف أدار الإمام هذه المواجهة ببراعة واقتدار، فقد تمسك الشيخ فرغلي، والإخوان معه بمكانه، وعمله بالمسجد، وتصاعد الأمر حتى وصل إلى محافظ القنال الأجنبي ومأمور الإسماعيلية، وهددوا باستخدام القوة، فلم يتراجع الشيخ فرغلي وتجمهر عدد كبير من العمال، وأمسك الإمام الشهيد بجميع الخيوط، مع التأكيد على صلابة الموقف فاتصل بالعضو المصري الوحيد في مجلس إدارة الشركة حيث سافر له الإمام لمقابلته بالقاهرة، وناقشه في الأمر رغم عدم تجاوبه معه، وكذلك قابل مدير الشركة الأجنبي، وأوضح له بأسلوب هادئ نواحي خطأه، وأن المشكلة ليست في المسجد، وإنما في أسلوب معاملتهم للعمال.

وتعامل كذلك مع المأمور فأوضح له خطورة تصعيد الأمر، وأن العواقب قد تسوء إذا حدث رد فعل من العمال الغاضبين، ثم طرح الإمام الشهيد حلاًّ للأزمة تفاوض معهم عليه، وبعد أخذ ورد تم الاتفاق على أن يبقى الشيخ فرغلي شهرين حيث هو، وتقوم الشركة بتكريمه عند انتهاء هذه المدة، وأن تطلب رسميًّا من الإخوان أن يحل محله واحد من المشايخ، وأن تضاعف للشيخ الجديد راتبه.. إلخ.

وبذلك نجح الإمام في إدارة هذا الصراع، وحقق كل أهدافه كاملة، مع بعض التنازلات البسيطة الشكلية التي لا تؤثر، وأخذ مقابلها مكاسب كثيرة، وهذا مجرد نموذج، فحياة الإمام وجهاده مليئة بالكثير من تلك المواقف.

* كما كان الإمام الشهيد يراعي في حركته ونشاطه أن يكون مظهر الجماعة أقل من حقيقتها، وأن يكون تقدير الأعداء لمدى قوتها أقل من الحقيقة والواقع، وألا تنخدع الجماعة بالظواهر عن حقائق الأحداث، فللدعوة ميزان غير ميزان الآخرين ورؤيتهم، ليس ذلك تهوينًا لشأن الدعوة وهيبتها، وإنما في هذه المرحلة من تربص الأعداء بها، يستهدف الإمام من ذلك أن يقلل من تحفز الأعداء ضدها، ومسارعتهم إلى ضربها، أو يهدئ من شدة الضربات الموجهة إليها.

* لقد وافق الإمام على التنازل عن الدخول في الانتخابات عام 1942م، وركز على الحركة بهدوء، والانتشار العملي بين الجماهير رغم توتر الإنجليز، وتشديد قبضتهم على البلد، وإعلان الأحكام العرفية، ولم يتراجع الإمام في ذلك الجو عن مبادئ دعوته، أو أن يفصل بين الدعوة والسياسة، وليراجع من شاء رسالة المؤتمر السادس عام 1941م، وهي تؤكد على نفس المبادئ والأهداف.

وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى كانت الجماعة قد وصلت لمرحلة جديدة من القوة، والانتشار لم يكن يتصورها الآخرون.

* لكن يحدث في بعض الأحيان والمواقف، أن يظهر للآخرين مدى قوة الجماعة مثلما أدرك الأعداء في معارك فلسطين، ورأوا من بطولات الإخوان، والنماذج العالية التي قدموها في الثبات والإقدام، وحسن التخطيط ما أزعجهم بشدة، ورغم هذا لم يستخدم الإمام هذه القوة في مواجهة السعديين عندما حاربوا الجماعة، وسجنوا الكثيرين من أفرادها.

* وهذا الأمر لا يجعل الإخوان يغترون بفضل الله عليهم أو يسارعون للتحدي قبل الأوان، أو يكون هذا مبررًا للتخاذل والقعود، بل يحرص الإخوان أن يطمئنوا المنزعجين، والمتخوفين، ولا يخرجهم الإنجاز، وأقوال الناس، عن إستراتيجيتهم، وضوابط حركتهم، وخطتهم الحكيمة.

* وإذا استحكم شيء في مواجهة الدعوة، أو أظلمت الدنيا من حولهم لم يفقد الإخوان ثقتهم، ولم تهتز خطواتهم، بل أحسنوا التوكل على الله، ولجئوا إلى الدعاء والاستغفار، وطلب العون من الله، وحرصوا على دعاء السحر وقيام الليل، فهذا هو باب النجاة والفلاح بعد استفراغ الجهد من الأخذ بالأسباب ﴿...... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ....... (3)﴾ (الطلاق).

الإمام البنا واستخدام القوة[07/03/2010][14:15 مكة المكرمة]

بقلم: د. محمد عبد الرحمن
- رفض الإمام الشهيد بوضوح استخدام القوة والعنف ضد الحاكم أو الحكومة، وبذلك أخذ بمذهب السلف بعدم الخروج على الحاكم المسلم عند انحرافه بالسيف، كما جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سأله الصحابة: أفلا نقاتلهم؟ فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ما صلوا"، وفي رواية ".. ما أقاموا فيكم الصلاة"، وفي رواية: ".. إلا أن تروا كفرًا بواحًا"، هذا مع القيام بواجب النصح للحاكم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه الشرعية، والصبر عند ذلك عما قد يصيبهم، والعمل للإصلاح الشامل في المجتمع، وامتلاك آلياته؛ حتى يتم التغيير بالأسلوب السلمي، متذكرين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"، وكذلك القاعدة الشرعية "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".. وأكَّد هذا النهج تاريخ الإخوان ورسائلهم وصبرهم إزاء ما حلَّ بهم من قتل وتشريد ومصادرة وسجن وتعذيب.

- إن ألفاظ الإمام الشهيد واضحة في هذه المسألة، خاصة في رسالة المؤتمر الخامس، رغم أن البعض حاول أن يحملها غير ذلك، فهو يرفض تمامًا استخدام القوة داخل المجتمع أو في مواجهة الحاكم، ويقول عن الثورة- وهي أقوى مظاهر القوة- إنها ليست من وسائل الجماعة، ولن تكون، ولا تفكر حتى فيها، وإذا حدثت في المجتمع فستكون من غيرهم وليست منهم.

- وهو يتحدث في رسالة المؤتمر الخامس- عندما أشار إلى قوة الساعد- عن بيان قاعدة عامة وحقيقة اجتماعية، وليس توجيهًا باستخدام العنف داخل المجتمع.

يقول الإمام الشهيد: "فهم- أي الإخوان المسلمون- يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعًا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك"(1).

ويقول: "وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها"(2).

كما يحدد بوضوح أن انحياز السلطة التنفيذية لمنهج الجماعة، سوف يكون انحيازًا سلميًّا واضحًا لا عنف فيه، وإنما عن فهم واقتناع وعن تأييد ومناصرة؛ سواء تم ذلك بمظهره في الصندوق الانتخابي أو في الرأي العام أو انحياز المؤسسات ومراكز التأثير والتوجيه في المجتمع.

ولم يتحدث الإمام عن شكل الانحياز؛ لأنه سيكون حسب الواقع الموجود وقتها، وإنما حدد قواعده وآلياته وضوابطه، وأنه يتم عبر اقتناع وإيمان الشعب ومؤسساته ورأيه العام بهذه الدعوة، وليس عن طريق الجبر والإكراه أو العنف والقوة.

يقول الإمام الشهيد موضحًا ذلك:
"إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: من الآية 138)، وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول على حكمها"(3).

ويقول أيضًا: "ولهذا كان هدف الإخوان المسلمين يتلخص في كلمتين: العودة إلى النظام الإسلامي الاجتماعي، والتحرر الكامل من كل سلطان أجنبي"(4).

"أما وسائلنا العامة؛ فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام، ويناصرها عن عقيدة وإيمان، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح، ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية، وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية"(5).

"أما غاية الإخوان الأساسية، أما هدف الإخوان الأسمى، أما الإصلاح الذي يريده الإخوان، ويهيئون له أنفسهم، فهو إصلاح شامل كامل تتعاون عليه قوى الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل"(6).

"ولكن لا شك في أن الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة، لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار ومتانة التكوين"(7).

- أما الاستعداد وامتلاك وسائل القوة- وأبرز مظاهره تشكيل النظام الخاص في حينها- فكان ذلك لمواجهة الاحتلال الأجنبي؛ حيث كان الوطن محتلاًّ من الإنجليز، والأمة بكل طوائفها في حالة جهاد ومقاومة لهذا الاحتلال.

- وعن خروج أي فئة من المجتمع وتمردها بالقوة على رأي غالبية الشعب وانحيازه لمنهج الإسلام وعلى السلطة الشرعية الممثلة له بعد هذا الانحياز السلمي، يتحدث الإمام الشهيد عن هذا الموقف، خاصة إذا خرجت هذه الفئة بالقوة عن تلك السلطة الشرعية، أو حاولت إيقاف صلاحياتها عند انحياز الأمة إليها، فيقرر عدم استخدام القوة في مواجهتها ابتداء- رغم كونها المعتدية- وإنما يكون فقط في حالة الضرورة لرد الاعتداء، وبعد استنفاد كل الوسائل السلمية أولاً، ودراسة النتائج والآثار والإمكانيات، ويكون ذلك وفق القانون والضوابط الشرعية ومن خلال المؤسسات، وذلك لاستيعاب وعلاج هذا التمرد على الأمة أو وقوفه في طريقها بأسلوب العنف والقوة.

يقول الإمام في ذلك: ".... ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكرًا وأبعد نظرًا من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصون إلى أعماقها ولا يزنون نتائجها، وما يُقصد منها وما يُراد بها.

هذه نظرة، ونظرة أخرى هل أوصى الإسلام- والقوة شعاره- باستخدام القوة في كل الظروف والأحوال؟ أم حدَّد لذلك حدودًا واشترط شروطًا ووجه القوة توجيهًا محدودًا؟

ونظرة ثالثة: هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف؟ أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون؟

هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة، قبل أن يقدموا عليه"(8).

"أما ما سوى ذلك من الوسائل فلن نلجأ إليه إلا مكرهين، ولن نستخدمه إلا مضطرين، وسنكون حينئذٍ صرحاء وشرفاء"(9).

أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية؛ حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً وينتظرون بعد ذلك.."(10).

- والتاريخ يشهد بهذا السلوك السلمي للإخوان في دعوتهم، فعندما شنَّت الحكومة السعدية حملة الاعتقالات والتعذيب لأفراد الجماعة، وكان الإخوان من العدد والإمكانيات ما يؤهلهم لإيقاف هذا الأمر ومنعه، رفض الإمام الشهيد اللجوء للقوة، وقال لهم: "سلموا أكتافكم للسعديين"؛ حرصًا على تجنب الصراع الداخلي وإراقة دماء أبناء الوطن، وفضَّل أسلوب الصبر وتحمل الإيذاء.

وعندما تطوَّر الأمر إلى حل الجماعة في ديسمبر 1948م، أرسل إلى مجاهدي الإخوان في فلسطين أن مهمتكم هناك على أرض فلسطين ما زالت قائمة، وألا يلتفتوا إلى ما يحدث في مصر.

وعندما اعتقلوا هؤلاء المجاهدين لم يوجه الإخوان سلاحهم إلى من اعتقلهم من أفراد الجيش، بل وساعدوا الجيش وحموا مؤخرته بعد ذلك.

وبعد أن تمَّ اغتيال الإمام الشهيد، وسقطت حكومة حزب السعديين كان الإخوان يعرفون جيدًا جميع من قام بمؤامرة الاغتيال، ورغم تطور الأحداث السياسية وقيام الثورة ضد النظام الملكي، كان الإخوان يستطيعون الانتقام من قتلة الإمام دون الانتظار لأي محاكمة؛ لكنهم كما رباهم الإمام الشهيد رفضوا ذلك، ولم يفكروا فيه لحظة واحدة، وكذلك بعد انقضاء العهد الناصري، وخروج الإخوان من السجون كانوا يلتقون بالأفراد الذين مارسوا أشد أنواع التعذيب ضدهم، بل وقتلوا العشرات منهم، كانوا يلتقون بهم في الشارع والمجتمع، وقد زال عنهم سلطانهم والحماية السياسية لهم، ولم يفكر أي من الإخوان في إيذاء أحد منهم حتى بالقول أو التشفي؛ ما يؤكد أن المنهج السلمي من ثوابت دعوة الإخوان، وفيه الرفض بوضوح لاستخدام العنف والقوة ضد أبناء الوطن أو إحداث صراع دموي أو فوضى وتخريب في الوطن.

- كما أن تأييد الجماعة لحركة الجيش التصحيحية في مصر عام 1952م (والتي عُرفت بعد ذلك بثورة يوليو)، ليس انحرافًا عن خط دعوتها أو تعديلاً في المسار والمنهج، خاصة لمن عرف الظروف المحيطة والملابسات القائمة وقتها، فقد كان التغيير يُشكل مطلبًا شعبيًّا ووطنيًّا.

- إنما جاء هذا التأييد من منطلق تأييد أي حركة إصلاحية في ظل تلك الظروف وقتها، خاصة أن أصحابها كانوا معروفين للجماعة وموثوقًا فيهم، ووعدوا بالإصلاح وكانت المطالب عادلة، فهو ليس تأييدًا مفتوحًا (ولم يكن الإخوان يعلمون الغيب)، وحدود هذا التأييد كانت خاضعة لضوابط الجماعة وفق منهجها، وشمل ذلك: تأمين استقرار الوطن وحماية المؤسسات من أي تخريب أو اعتداء، والتصدي لاحتمال عودة القوات الإنجليزية للقاهرة، والسماح لضباط الإخوان بالجيش بالمشاركة بصفتهم كضباط لهم مطالب عادلة، وليس بصفتهم كإخوان.

- وعندما خالف قادة الحركة الشروط وانحرفوا عن منهج الإصلاح، واجهتهم الجماعة بالنصح والإرشاد وتحملت أذى كثيرًا في سبيل الله.

- والإخوان يفرِّقون بين الدولة والوطن من جهة.. وبين الحكومة والنظام من جهة أخرى، فهم حريصون على استقرار الدولة وقوة مؤسساتها وتقدمها، ويعملون على تحقيق ذلك بالتعاون مع الآخرين.

- لكنهم يعارضون النظام والحكومة إذا انحرفت أو تجاوزت بكل صور النضال الدستوري السلمي.

- وهم يقفون كذلك مع فئات الشعب وشرائحه المختلفة في مطالبهم العادلة بحقوقهم وإصلاح أوضاعهم بالوسائل السلمية بما فيها حق الإضراب والاحتجاج، بالشروط والضوابط التي لا تؤدي إلى تخريب وفوضى، أو إضرار بمصالح الوطن العليا، وبالتالي فإن الإخوان يقدِّمون مصلحة الوطن على المكسب الزائل في صراعهم مع النظام، ويعملون على أن يكون الشعب إيجابيًّا، يعرف حقوقه، ويعرف كيف يطالب بها وكيف يحافظ عليها.

منهج الإمام البنا في التعامل مع الغير... (1)[13/03/2010][15:23 مكة المكرمة]

بقلم: د. محمد عبد الرحمن
كان الإمام البنا حريصًا على تحديد علاقات الجماعة، كجماعة، وأفراد، مع الآخرين؛ سواء كانوا كيانات وجماعات، أو تيارات فكرية، وسياسية، أو أفرادًا داخل هذا الإطار.

وكان يحدد كل ذلك وفق منهجية استمدها من تعاليم الإسلام، ومن تقييم، وإدراك الواقع الذي حوله.. وقد اتضح هذا في رسائله، وفي تطبيقه العملي لتلك المبادئ.

كان أسلوب الإمام الشهيد يتميز بالأسلوب الاستيعابي وليس التصادمي، مع عدم التنازل عن قول الحق وتوضيحه.

كان رحمه الله يبدأ بنقاط الاتفاق أولاً، وليس بنقاط الخلاف، مع توسيع مساحة هذا الاتفاق بالدعوة، والتفاهم قدر الإمكان، ثم الأسلوب العملي الإيجابي الذي ينتج عن هذه المساحة المشتركة، ولا يقف عند حدود الكلام النظري، بل حسن توجيه الآخرين لأداء عملي إيجابي يساهم في إصلاح المجتمع.

و"الغير" الذي يشمله الحديث هنا، قاصر على الكيانات والتجمعات داخل الوطن والعاملة فيه بكل أنواعها، أما الحكومات، والدول الأخرى فلها مجال آخر في الحديث عنها.

وحسن التعامل مع الآخر ليس تكتيكًا أو موقفًا مرحليًّا، ولكنه مبدأ تنطلق فيه الجماعة من الضوابط الشرعية، والآداب الإسلامية في التعامل مع الآخرين، والتعاون مع القوى الأخرى ليس وسيلة لمجرد تحقيق الاستفادة، وإنما مسألة مبدأ، فهي أي الجماعة أصحاب دعوة خير، يستهدفون وصولها للجميع، ومنهج للإصلاح يتعاون فيه الجميع.

ومع الحرص على هذه الضوابط، كان هناك كذلك الحرص على تميز الدعوة والجماعة، فلا تذوب خلال هذا الحراك، وذلك التفاعل، أو تنصرف عن خطتها الرئيسية، وأهدافها الأساسية، أو يفقد أفراد الصف الرؤية، والبوصلة التي يتحركون بها، والمرجعية، والولاء الذي يربطهم بجماعتهم، وقيادتهم.

كما أنهم لا يتوقفون في تحقيق أهدافهم، وإنجاز دعوتهم على أحد مهما بلغ شأنه، أو على أي كيان أرضي؛ حتى ولو كان في السلطة، بل يعتمدون، ويتوكلون على الله فقط، ولا تتعلق قلوبهم بغير ذلك مهما حدث من حولهم، ومهما تناولوا من أسباب، ووسائل هم مطالبون بالاجتهاد فيها.

والاعتزاز بالدعوة، واليقين بصوابها، والثبات عليها لا يتعارض مع التعاون والتعامل مع الآخرين، بل يدّعم ذلك؛ لأنه اعتزاز ينشأ معه حب الخير للناس، والحرص على وصول هذا الخير لهم، وإحساس بسمو الدعوة فتسمو معها أخلاقهم وتصرفاتهم، ولا يتأثرون بردود أفعال الناس نحوهم، أو يشغلهم ذلك عن التمسك بالدعوة، وأخذ أنفسهم بها.

يقول الإمام الشهيد في "مذكرات الدعوة والداعية" عن سمو هذه الدعوة؛ لأنها دعوة الإسلام التي نجتهد في حملها وندعو الآخرين لحملها أيضًا.. "فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتي هي أحدًا، وتستغني عن غيرها، وهي جماع كل الخير، وما عداها لا يسلم عن النقص، إذن فاقبلوا على شأنكم، ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عزة وقوة، فمن مدّ لكم يده على أساسه فأهلاً، ومرحباً في وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار، أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم وينفذ تعاليمكم، ومن أبى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" (مذكرات الدعوة والداعية، صـ263 ).

ويقول الإمام الشهيد أيضًا: "موقفنا من الدعوات في هذا البلد: دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية- بناء على طبيعة دعوتنا- موقف واحد على ما أعتقد: نتمنى لها جميعًا الخير، وندعو لها بالتوفيق، وأن خير طريق نسلكها ألا يشغلنا الالتفات إلى غيرنا عن الالتفات إلى أنفسنا، إننا في حاجة إلى عدة، وإلى تعبئة، وإن أمتنا والميادين الخالية فيها محتاجة إلى جنود وإلى جهاد، والوقت لا يتسع لنتطلع إلى غيرنا، ونشتغل به، كل في ميدانه، والله مع المحسنين حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق" (مذكرات الدعوة والداعية صـ262).

ويقول أيضًا: "الإخوان يجيزون الخلاف، ويكرهون التعصب للرأي، ويحاولون الوصول إلى الحق، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب" (رسالة دعوتنا).

والتمسك بالحق ما دام ثبت أنه حق، ليس تعصبًا، وإنما هو ثبات على الحق، وإنما يكون التعصب: في الرأي الناتج عن الاجتهاد البشري القابل للتمحيص، والمراجعة، ولا يعني الثبات على الحق الاستعلاء على الآخرين، أو الانصراف عنهم، بل إفساح الصدر لهم، ومناقشتهم بالحكمة، والموعظة الحسنة لإقناعهم بهذا الحق.

والإخوان ليس من منهاجهم- كما ربَّاهم الإمام الشهيد- احتكار الساحة العامة، أو الانفراد بها، بل منهجهم- الذي يحرصون عليه- هو منهج: المشاركة، والتعاون وعدم الإقصاء، والاحترام المتبادل؛ رغم أن الواقع التاريخي منذ نشأتهم أظهر مدى ضيق بعض الآخرين بها، وحربهم لها، والتضييق عليها، والتشهير بها والحسد لما تحققه من نجاحات، وليس هذا تقولاً بالظن، ولكنها حقائق التاريخ وأحداثه الثابتة، وسيظل بإذن الله هذا منهجهم وطريقهم مهما حدث لهم.

يقول الإمام الشهيد: "فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان تحب الإجماع وتكره الشذوذ، وإن أعظم ما مُني به المسلمون الفرقة، والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة" (مذكرات الدعوة والداعية صـ25).

"وإنها دعوة بريئة نزيهة قد تسامت في نزاهتها؛ حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية وخلفت وراءها الأهواء والأغراض". اهـ. (مذكرات الدعوة والداعية صـ13).

كما تتعامل الجماعة بحكمة ووعي مع بعض الشخصيات التي تجري وراء الشهرة، وعلو الصيت؛ لتجعل لها أنصارًا وأشياعًا، يلتفون حولها لتنافس بهم الآخرين، وتحقق بهم مطامعها ورغباتها، وهذا وارد في أي مجتمع.

لكنها لا تأخذ بالظن، وتوزع الاتهامات، أو تدخل في صراع أو هجوم على أحد، وتترك الجماعة للزمن وللمواقف والأحداث؛ ما يظهر معه التمييز بين الغث والسمين، ويكشف عن مثل هذه النوعيات التي تتوهج فترة ثم لا تلبث أن تنطفئ".

- المبادئ التي تقوم عليها منهجية التعامل:
وضع الإمام الشهيد منهجيةً عامةً في هذا المجال تقوم على عدة مبادئ وأسس منها:

1- مبدأ قبول الاختلاف.
2- مبدأ الحوار والتفاهم.
3- مبدأ التعاون.
4- مبدأ الاحترام وعدم التجريح.
5- مبدأ توجيه الدعوة، وحسن عرضها.
6- مبدأ التوجيه الإيجابي والعملي.
7- مبدأ الثقة، والوفاء بالالتزامات.
وسنتناول بإذن الله بعضها بصورة مختصرة:
* إن اختلاف وجهات النظر واختلاف مناهج التفكير، وبرامج الإصلاح؛ أمر أساسي لا بد منه، لأنه ليس خلافًا في الأصل والمبدأ، ولا يمكن أن نتحد في كل الفروع والتصورات، وهذا الاجتهاد البشري لا يكون سببًا للخلاف والشقاق والخصومة، وإنما يكون معه الحوار، والتفاهم في جو الصفاء والحب.

يقول الإمام الشهيد: "ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه، ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب، لأسباب عدة". (رسالة دعوتنا صـ25).

"نعتقد هذا فنلتمس العذر كل العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات، ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبدًا حائلاً دون ارتباط القلوب، وتبادل الحب والتعاون على الخير" (رسالة دعوتنا صـ26).

* "يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدرًا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علمًا وفي كل دعوة حقًّا وباطلاً، فهم يتحرون الحق ويأخذون به، ويحاولون في هوادة، ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم، فإن اقتنعوا فذاك، وإن لم يقتنعوا فإخوان في الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية" (رسالة دعوتنا صـ27).

* إن مبدأ التعاون يكون في المساحة المشتركة المتوافق عليها، ومجال الدعوة الإسلامية، وكذلك شأن إصلاح حال الوطن، يمثل مساحة كبيرة وليست قليلة إذا خلصت النوايا، وهي لا تستلزم أن يتنازل أحد أو فصيل عن مبادئه، أو منهجه الخاص به، أو يتوقف عن العمل حسب رؤيته، فيكون "التعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".

وقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم التعاون فيما كان فيه حلف الفضول مع الآخرين، وكانوا كافرين، وقال صلى الله عليه وسلم "إن دعيت به في الإسلام لأجبت"، أو كما قال.

* وإن مبدأ عدم تجريح الهيئات والمؤسسات والأفراد من مبادئ الدعوة الأساسية التي تلتزم بها الجماعة، وأفرادها تجاه الآخرين حتى ولو أساءوا إليها، أو اختلفوا معها، وهي لا ترضى بمشاركة أحد في هذا التجاوز، أو تسكت عنه، وهي تتعاون وتتحاور مع الآخرين متمسكة بالخلق الإسلامي، واحترام الآخر، في التعامل، والحديث دون استعلاء أو تباهٍ، والبعد عن التسفيه واتهام النوايا، حتى ولو انتقل هذا الآخر الوطني إلى صف الخصوم للدعوة.

* كما أنه عند التعاون المشترك، تحدد الجماعة بوضوح دورها، وتفي بصدق بالتزاماتها؛ حتى وإن قصّر الآخرون في التزاماتهم، ومن خلال الاحتكاك العملي، ووضوح أسلوب الجماعة وشفافيته تنشأ الثقة بين الأطراف، فيساعد هذا على مزيد من التعاون، والعمل الصالح.

* والإخوان لا يتحزبون مع فريق ضد فريق، وإنما يشاركون لتحقيق مصلحة للوطن، أو رفع ظلم، وتجاوز تمّ في حقه.

يقول الإمام الشهيد: "ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين يعملون لحساب هيئة من الهيئات، أو يعتمدون على جماعة من الجماعات" (رسالة إلى الشباب صـ106).

* ومع هذا الاحتكاك والمشاركة العملية والتواصل الفردي والمؤسسي، يحرص الإخوان على عرض الدعوة العامة للإسلام، ومنهجها للإصلاح كواجب عليها تجاه كافة المسلمين، وأبناء هذا الوطن، ويكون هذا العرض من خلال الأسلوب العملي، والحوار الهادئ، والحب، والاهتمام الذي يجب أن يكون عليه قلب الداعية، ومع هذا السمو الأخلاقي لا يسمح الداعية أن تُهاجم أصول الإسلام دون أن يردّ، أو أن يُرتكب في اللقاء ما يخالف إسلامه، كتناول البعض للخمر مثلاً.

- نقاط حول هذا التعاون المشترك، نلفت النظر إليها:
أ) إن مستوى التعاون، والتأييد يكون في موقف من المواقف يتفق مع سياسة الجماعة، ومصلحة الوطن وفي هذا الإطار يكون التأييد الإيجابي من الجماعة مرتبطًا بهذا الموقف، أما التأييد على بياض لهيئة من الهيئات، أو لأي تجمع، فليس بوارد في فهم الإخوان، وإذا حدث تزكية من الجماعة لهيئة من الهيئات، فيكون ذلك وفق ضوابط، وأسس تتأكد فيها الجماعة عدم خروج هذه الهيئة على أصول الإسلام وغايته.

فقد ورد في قرارات مجلس الشورى الثالث للجماعة عام 1353هـ، كما يذكر الإمام الشهيد: "يجب على الإخوان المسلمين إذا أيَّدوا هيئة ما من الهيئات أن يستوثقوا أنها لا تتنكر لغايتهم في وقت من الأوقات.. والهيئات النافعة توجه إلى الغاية بتقويتها لا بإضعافها.." (راجع مذكرات الدعوة الداعية، صـ219).

ب) التعاون المشترك له درجات تبدأ بالتنسيق في المواقف وبعض الأعمال، أو التعاون الفعلي في نشاط معين، أو المشاركة في تبني قضية من القضايا، وقد تصل إلى التحالف في مجال من المجالات.. إلخ؛ لكن تحديد هذه الدرجة ومدى المشاركة وحجمها وموقف الجماعة الفعلي لا يكون وفق رؤية فرد من الجماعة مهما بلغ شأنه، ولكن يكون بالمرجعية لمؤسسات الجماعة وقيادتها.

جـ) والجماعة ترحِّب بالمشاركة على قدم المساواة في التعاون والتنسيق لإصلاح الأمة وعلاج مشاكلها، أما مجرد المشاركة ضمن منظومة الآخر لتحقيق أهدافه وغاياته المختلفة، أو أنه مفروض عليها أن تشارك في كل الأمور حتى ولو خالفت سياستها، أو أن يكون ذلك على غير قدم المساواة، أو ينتج عن المشاركة مخالفة لأصول ومبادئ الدعوة؛ فهذا ترفضه الجماعة لأنه انتقاص من قدرها، وزحزحة لها عن خطها وأهدافها، وهذا حق لكل جماعة أن تضع ما يناسبها من ضوابط دون أن تتعرَّض للإقصاء أو التحزب ضدها.

د) والجماعة أيضًا مع حرصها على الإصلاح ومساعدة كل من يعمل له، لا تخدعها الشعارات أو المواقف الكاذبة، والدعايات المغرضة والأحداث المفتعلة بل تغوص وراء حقيقة الأمور وتزنها بميزان الشرع، وتنظر للأمر من جميع جوانبه والتاريخ القريب مليء بنماذج مختلفة تدل على ذلك.

فالجماعة برؤيتها، وثقلها لا تجري وراء كل صاحب شعار أو ناعق بأمر، أو تدور على هذا وذاك، تستجدي التعاون والمشاركة؛ ولكن بتعاملها مع الجميع ورؤيتها للواقع تستطيع أن تميز بين العمل الإيجابي، وبين المغامرات وأصحاب الهوى.

هـ) ونقطة أخرى تمثل معوقًا في سبيل التعاون المشترك؛ نتيجة فقد الثقة، أو التحزب والصراع الشديد بين الأطراف، فبعض القوى، والكيانات تحوَّل خلافها مع الآخرين إلى صراع يطغى بمعناه المذموم على التعاون المشترك، وبالتالي يجعل هذه الرؤية الضيقة هي الحاكمة للتعاون الذي فيه مصلحة الوطن، فينظر بهذه الرؤية أن الأطراف الأخرى ستستفيد، وبالتالي يرفض هذه الاستفادة لها- رغم أنه أيضًا سيستفيد- ولكن حرصه على منع ذلك عن الآخرين من واقع النظرة الضيقة، يجعله لا يستمر في هذا التعاون، ولو كان فيه مصلحة للوطن.

ففي الواقع الذي نعيشه نجد بعض الأحزاب، أو القوى السياسية تتراجع عن التعاون المشترك؛ بحجة أن هذا سيفيد الإخوان، ويعطيهم بعض الشرعية في نظرهم، والبعض منهم، يشترط أن يدفع الإخوان ثمنًا أكبر نظير هذه الفائدة، وأن يحملوا الأمر برمته وتكاليفه؛ ما يؤدي أن يفهم بعض أفراد الجماعة نتيجة هذا الأسلوب أنهم يريدون توظيف الجماعة لحساب أجندتهم الخاصة، ويدفعون ثمن ذلك أيضًا.

في حين أن مبدأ الشرعية محسوم عند الإخوان في منهجهم، ولا يؤثر عليهم قبول النظام لهم أو وجود الغطاء القانوني من عدمه.

وأنه يجب على الأحزاب والقوى أن يحل بينها التفاهم، والتعاون في المساحة والقضايا المشتركة بدلاً من الصراع والتنافس، وأن المنهج الإقصائي ليس في مصلحة الوطن، أو حتى في مصلحة هذه القوى الوطنية، وأن الاستفادة المتبادلة لجميع القوى كلها تصب لصالح العمل المشترك، وأن تعلو مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية للأحزاب، والقوى الأخرى، وأن يحترم كل فصيل رؤية الآخرين، ومنهجهم، وإستراتيجيتهم الخاصة، وضعف الثقة هذا علاجه يكون في زيادة مساحة التعاون، والمشاركة، وفي الوضوح والشفافية.

و) والجماعة في رؤيتها ورصدها من خلال تجاربها لهذه الممارسات، إلا أنها لا تيأس من منهجية التعاون، والتواصل مع الآخرين؛ لأن هذا يشكل عندها إستراتيجيةً ومبدأً ثابتًا، ينبثق من منهج الجماعة، ورؤيتها في الإصلاح، وعدم الاحتكار، أو الانفراد، وإذا تخلف عنها أحد أو رفض التعاون، فستمضي هي في طريقها مع أيديها الممدودة، وصدرها المتسع، إلى أن يوجد من يقبل أن يمد يده لها ليلتقي معها، ولكنها لن توقف حركتها، ودعوتها وأداء الواجب عليها.إن الحوار والتفاهم الذي يناقش كل الجوانب بصراحة، وشفافية دون توتر، أو إخفاء نية ما، يعالج به هذا الأمر، ويمنع هذه الرؤية المفرِّقة.

س) والإمام البنا يستثني من التعاون المشترك مع الجماعة، فئة محدودة، تخالف أصل الدعوة؛ لكنه لا يلزم الآخرين بذلك، وهم:

1- الملاحدة من المسلمين الذين يتحركون كتيار، وكيان يدعو إلى الإلحاد، أو الذين يعملون لتشويه عقيدة الإسلام مثل البهائية والقاديانية.

يقول الإمام الشهيد: "فذكِّروا أنفسكم أيها الإخوان دائمًا بأن ملاحدة المسلمين في مقدمة خصومكم، وأن على رؤوسهم قسطًا كبيرًا من تبعة ما يقع الآن في مختلف بلاد الإسلام.

ومن الواجب أن نحول دون تفشي أفكارهم الموبوءة بيننا، وأن نضرب على يد من يريد أن يحسن الظن بأعدائنا.." (من مقالة واجب العالم الإسلامي للإمام الشهيد.. نقلاً من كتاب الإمام الشهيد للأستاذ فؤاد الهجرسي صـ117).

ويقول: "وهم- أي الإخوان- يناوئون كل هيئة تشوه معنى الإسلام مثل البهائية والقاديانية.." (مذكرات الدعوة والداعية صـ220)، وكذلك ما يعرف بالهيئات التبشيرية.

2- وكذلك الأعداء الذين يستهدفون الوطن وأمنه، أو الذين يرتبطون بوضوح بهؤلاء الأعداء، ويحسنون الظن بهم مثل الكيان الصهيوني الغاصب وعملائه.

3- وأضيف لهؤلاء لنفس السبب؛ الذين يستهدفون أمن المجتمع، أو يكفرونه، أو يسفكون دماء أهله خروجًا على مبادئ الإسلام، وأحكامه.

ص) والهيئات التي تختلف مع الدعوة ومبادئها في التصور أو الوسائل والأساليب، أو تعارضها في مجال الدعوة والعمل، أو يتبنون الأفكار الغربية التي ترى الجماعة أنها ليست في صالح الوطن.

يوجه الإمام البنا الإخوان إلى منهج التعامل معهم، بتوجيه النصح لهم، والإرشاد لعلهم يرجعون، وتواجه الجماعة الفكرة بالفكرة، والدعوة بالدعوة، لا تسارع في تكفيرهم، أو تنادي باستئصالهم أو تعين ظالمًا عليهم، فليس هذا أسلوب الدعوة.

ولا تتهم الأشخاص بالظنة، ولا تلقي بأوصاف التآمر والعداء لكل من خالفها أو هاجمها، وإنما تأخذ الناس بالظاهر وحسب أقوالهم، وأعمالهم، وأن يكون ميزان الشرع، وضوابطه هو الأساس، وألا تهبط إلى مستوى الإسفاف حتى، وإن لجئوا هم إليه، وأن تترك ذوات الأشخاص، والحكم عليهم.

ع) وعن موقف الهيئات الأخرى من الإخوان، يقول الإمام الشهيد: "وستسمعون أن هيئة من الهيئات تتحدث عنكم، فإن كان الحديث خيرًا، فاشكروا لها في أنفسكم، ولا يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم، وإن كان غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير، وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق، ولا تقابلوا هذا الذنب بمثله، ولا يشغلنكم الرد عليه عن الجد فيما أخذتم أنفسكم بسبيله" (مذكرات الدعوة والداعية صـ264)، فالذين يتوجهون بالاتهامات الظالمة، ويسيئون للدعوة؛ فإننا نقول لهم: "اتقوا الله أيها الناس ولا تقولوا ما لا تعلمون.." (رسالة المؤتمر السادس صـ216).

ونوضح الحقيقة إذا اقتضى الأمر دون الدخول في خصومة وجدال، لا نهاجمهم أو نشغل أنفسنا بذلك: "ونحن لا نهاجمهم؛ لأننا في حاجة إلى الجهد الذي يبذل في الخصومة" (رسالة المؤتمر السادس صـ215). وسمى الإمام تضييع الجهد في المصادمة معهم بـ"الكفاح السلبي".

ونبتعد تمامًا عن التجريح الشخصي للهيئات أو الأفراد مهما بلغت درجة الخلاف معهم، وهذا الصنف من الهيئات والأفراد إن تجاوزوا معنا في الحوار؛ فإن سبيلنا معهم: أن ندعوهم إن قبلوا النداء، ونحاورهم دون الجدال، ولا نتهم إخلاصهم ولا نرد على خصومتهم، ولا نترك منهج دعوتنا، ندعو الله لنا ولهم بالهداية.

ويقول الإمام أيضًا في مذكرات الدعوة والداعية: ".. وأنا لا أعلم قاعدة أفادتني كثيرًا في سير الدعوة والعمل؛ وهي أن الإشاعة، والأكاذيب لا يقضى عليها بالرد، ولا بإشاعة مثلها، ولكن يقضى عليها بعمل إيجابي نافع، يستلفت الأنظار، ويستنطق الألسنة بالقول، فتحل الإشاعة الجديدة، وهي حق مكان الإشاعة القديمة، وهي باطل" (مذكرات الدعوة والداعية صـ95).

ل) أما موقف الإخوان من الهيئات جميعًا فيلخصه الإمام في هذا الموقف الابتدائي: ".. يجب أن يكون من موقفنا أمام الهيئات جميعًا: نريد لها الخير، ونلتمس لها العذر، ولا نطلب، ولا نرد، ولا تقولوا لمن ألقى السلام لست مؤمنًا.." (مذكرات الدعوة والداعية صـ263).

"بل إنه ليسرنا أن يوفق كل عامل للخير وإلى الخير، ولا يحب الإخوان أن يخلطوا البناء بهدم وفي ميدان الجهاد متسع للجميع" (رسالة المؤتمر الخامس صـ149).

موقف الجماعة من الهيئات العاملة للإسلام على اختلاف أنواعها:
يقول الإمام الشهيد في رسالة المؤتمر السادس: ".. وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعًا على اختلاف نزعاتها، فموقف حب وإخاء، وتعاون وولاء، نحبها ونعاونها، ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر، ونوفق بين مختلف الفكر توفيقًا ينتصر به الحق في ظل التعاون والحب، ولا يباعد بيننا وبينها رأي فقهي أو خلاف مذهبي، فدين الله يسر ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه..".

"ونعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تزول فيه الأسماء والألقاب، والفوارق الشكلية، والحواجز النظرية، وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية؛ حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون.. للدين عاملون.. وفي سبيل الله مجاهدون" (رسالة المؤتمر السادس صـ216).

"وإن الوقت الذي ستظهر فيه الجماعات الإسلامية كلها جبهة موحدة غير بعيد على ما أعتقد.. والزمن كفيل بتحقيق ذلك إن شاء الله" (المؤتمر الخامس صـ146).

"فلنترك للزمن أداء مهمته وإصدار حكمه، وهو خير كفيل بالصقل والتمييز" (المؤتمر الخامس صـ148).

وبهذا يحدِّد الإمام الشهيد منهج التعامل مع الهيئات والأفراد التي تعمل للإسلام، أو لصالح الوطن في جانب من الجوانب، وتختلف مع الجماعة في الفروع؛ لكنها لا تخرج على أصول الشرع، ومبادئه الأساسية، ويشمل هذا المنهج الآتي:
1- الحب والإخاء والتعاون فيما فيه صالح الدعوة والمجتمع.

2- نحاول جاهدين أن نقرِّب ونوفِّق بين وجهات النظر دون اعتساف، في ظل التعاون والحب.

3- ألا يباعد بيننا وبينها في الجانب العملي رأيّ فقهيّ- في فروع الدين- أو خلاف مذهبيّ إذا أصرّ طرف على رأيه.

4- أن نتحرى الحق في أسلوب لين في مناقشاتنا معهم والرد على تساؤلاتهم.

5- أن نحرص على التنسيق بين مختلف الجهود في مجال الدعوة وأعمال البر والإصلاح؛ حتى لا تأتي متضاربةً تعاكس بعضها بعضًا.

6- يرقى الإخوان إلى خطوة أكبر من مجرد التنسيق إذا اكتملت لها أركانها إلى التعاون، والتكامل، والتوظيف للطاقات، وهذا التوظيف يأتي من خلال المعايشة، والتفاهم وعلاقات الودّ، ويأتي من خلال الاقتناع، والتوجيه لكل عناصر الخير في المجتمع ما دامت هذه المجموعات، أو هؤلاء الأفراد في إطار العمل للإسلام بوسائله المشروعة.

7- أن تصبر الجماعة، وأن تدع للزمن، وأحداثه الوقت حتى يأتي اليوم الذي يتبين للجميع فيه صواب المنهج، والطريق، ويأتي اليوم الذي تزول فيه الفوارق الشكلية والحواجز النظرية؛ ليحل محلها الوحدة العملية تحت راية "الإخوان المسلمين".

8- وهي في ذات الوقت على وعي كامل من الاستدراج الذي يقوم به أعداء الإسلام لبعض هذه التجمعات؛ لضرب الجماعات العاملة للإسلام بعضها ببعض، وتبذل جهدها لتفوت ذلك المخطط.

9- ومع هذا التعاون، والتنسيق يجب أن يكون واضحًا تميز منهاج الدعوة واستقلالها الكامل وعدم ذوبانها.

10- يقول الإمام الشهيد موضحًا هذا الجانب: "يجب أن يكون واضحًا أن الإخوان المسلمين متمسكون بدعوتهم، قائمين عليها، لا يعملون لدعوة غير دعوتهم، ولا منهاج غير منهاجهم.."، ".. ولا يصطبغون بلون غير الإسلام"، "ومعاذ الله أن نكون في يوم من الأيام لغير دعوة القرآن وتعاليم الإسلام" (المؤتمر السادس 213)، "على أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم ولا إنتاج إلا مع خطتكم ولا صواب إلا فيما تعملون.." (المؤتمر الخامس صـ127) ".. أيها الإخوان لا تستعجلوا، فلا يزال الوقت أمامكم فسيحًا.." (مذكرات الدعوة والداعية صـ263).

منهج الإمام البنّا في التعامل مع الغير (2)[21/03/2010][09:30 مكة المكرمة]


بقلم: د. محمد عبد الرحمن
موقف الجماعة من الأنشطة المنافسة لأنشطتها
يوضح المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور في "رسالة الرؤية الواضحة" هذا الأمر، فيقول: "وقد تدفع هيئات لعمل أنشطة مشابهة أو بديلة لأنشطة الدعوة تحت رايات مختلفة، بهدف صرف الناس عن الدعوة ومنافستها، وهذه الأنشطة نوعان:
أولهما: منافسة محمودة بأنشطة بديلة مفيدة، ومطلوبة، حتى وإن كانت نيتهم فيها منافستنا، وتحجيم دورنا، فلا بأس من المشاركة فيها مثل صلاة العيد، ومشروعات التكافل، وغيرها (وحجم المشاركة لا يكون على حساب تواجدنا وتفعيلنا للأنشطة المشابهة الخاصة بالجماعة والدعوة).

وثانيهما: أعمال تصرف الناس عن أنشطتنا دون أن يكون فيها نفع لشعبنا، مثل بعض الأسر الطلابية، والاتحادات المعينة، وغيرها في محاولة لطمس الهوية الإسلامية، وهذه يجب مقاطعتها وصرف الناس عنها بالحكمة والموعظة الحسنة" صـ28، مع الوضع في الاعتبار وجود مخطط الإزاحة والإحلال، والذي يجب أن تواجهه الجماعة بالحكمة، والمزيد من التواجد، والتجذر المجتمعي، والأنشطة العملية المفيدة.

موقف أفراد الجماعة في التعامل مع الناس
وأفراد الإخوان يعتمدون موازين الإسلام وأحكامه في التعامل مع الناس بكل أنواعهم، مع حسن الفقه، والحكمة في التطبيق يقول الإمام الشهيد، مشيرًا إلى الميزان الذي يتعامل به الأخ مع الآخرين: "والناس عند الأخ الصادق ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب".

ولكل حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص، والهيئات، ويكون الولاء، أو العداء" (رسالة التعاليم صـ369).

ومع هذه المرجعية لأحكام الإسلام وموازينه في رؤية الأخ في تعامله مع الناس، إلا أنه لا يجعل من نفسه قاضيًا وحَكمًا على أشخاصهم، إنما هو فقط ينظر للظاهر من سلوكهم ومواقفهم ليحدد ميزان التعامل معهم، كما أن ميزان الحب والكره في الله يقوم على أنه يكره الفعل والخطأ، بصرف النظر عن ذات الشخص، ومع هذا التحديد فهناك درجة أعلى؛ حيث عليه التعامل مع هذه الطوائف من منطلق الدعوة كلٌّ حسب ما يناسبه.

ويستلزم هذا من كل أخ أن يتحلى بآداب الدعوة والداعية من:
حسن الاستماع للآخرين، وحسن الرد والتحاور معهم، وكظم الغيظ، وسعة الصدر، والدفع بالتي هي أحسن، وعدم رد الإساءة بمثلها (وهذا في غير طائفة المحاربين للوطن)، والتجاوز عن الهفوات، والحرص على المساحة المشتركة من التفاهم، وعدم جعل الخلاف والاختلاف هو قاعدة التعامل، وعدم تقديم إساءة الظن مع دقة الوعي، والبصيرة بمجريات الأمور، وطبائع الأشخاص (لستُ بالخبِّ، ولا الخبِّ يخدعني، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب)، والتعاون فيما نتفق عليه، والتزام آداب وأخلاق الإسلام السامية العالية في الأقوال والأعمال عند التعامل معهم، وعدم التعالي عليهم... إلخ، كل ذلك مطلوب مع عدم التفريط في القواعد، والمبادئ الخاصة بالدعوة، أو التراجع عنها، أو التحلل منها، وعدم اهتزاز الولاء لديه لدعوته وجماعته، أو ضعف التجرد عنده، أو تحول المرجعية لديه إلى جهة أخرى مشاركة، أو لرأيه وشخصه دون قيادته وجماعته.

كما يجب أن نكون صادقين أمناء عند كلمتنا نفي بالوعد، ونتحلى بلين الجانب؛ فنكسب القلوب، ونحوز الاحترام، ونبلغ أسمى دعوتنا بأبلغ بيان، وأحسنه، ونكون قدوةً عمليةً لما يجب أن يكون عليه المسلم.

موقف عموم الناس من الدعوة
يقول الإمام الشهيد: "والناس عندما تبلغهم دعوة الإخوان يكونون أحد أربعة أصناف: مؤمن- متردد- نفعي- متحامل".

مؤمن: إما شخص آمن بدعوتنا، وصدق بقولنا، وأعجب بمبادئنا، ورأى فيها خيرًا اطمأنت إليه نفسه، وسكن له فؤاده؛ فهذا ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا، والعمل معنا.

متردد: وهذا شخص لم يستبن له وجه الحق، ولم يتعرف في قولنا معنى الإخلاص، والفائدة فهو متوقف متردد؛ فهذا نتركه لتردده، ونوصيه بأن يتصل بنا عن كثب، ويقرأ عنا من بعيد، أو من قريب، ويتعرف إلى إخواننا فسيطمئن بعد ذلك إن شاء الله.

نفعي: وهذا شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة، وما يجره هذا البذل له من مغنم؛ فنقول له: حنانيك، ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت، فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه، وأزاح كابوس الطمع من فؤاده؛ فسيعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وسينضم إلى كتيبة الله، وإن كانت الأخرى فالله غني عمن لا يرى لله الحق الأول في نفسه، وحاله، ودنياه، وآخرته وموته وحياته.

متحامل: وهذا شخص ساء فينا ظنه، وأحاطت بنا شكوكه وريبه فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم؛ فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ندعوه إن قبل الدعاء، ونناديه إن أجاب النداء، وندعو الله فيه، وهو سبحانه أصل الرجاء، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". (رسالة دعوتنا صـ14- 15، باختصار).

موقف الدعوة من أصحاب التحامل والاتهامات للدعوة
وحول الموقف من هذه الألوان من الناس، ينطبق عليها القواعد العامة السابقة التي أشرنا إليها، فنرد عليهم ونوضح إن قبلوا النداء، ولا ندخل في حوار أو جدال، ولا ننشغل برد الاتهامات، ولا نرد بنفس الأسلوب، أو ندخل معهم في خصومة؛ فهذا كفاح سلبي.

ويوضح باختصار الإمام الشهيد أنه ليس لنا مع هؤلاء المتحاملين من جواب، إلا أن نقول لهم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.

وقد صنف الإمام الشهيد هذا الصنف من الناس إلى أنواع خمسة أو ستة:
1- شخص متهكم مستهتر لا يعنيه إلا أمر نفسه، وإلا أن يهزأ بالجماعات، والدعوات، والمبادئ، والمصلحين.
2- أو شخص غافل عن نفسه، وعن الناس جميعًا لا غاية، ولا وسيلة، ولا فكرة، ولا عقيدة، إلا ترديد ما يسمع من اتهامات.
3- أو شخص مغرم بتشقيق الكلام، وتنميق الجمل؛ ليقول السامعون: إنه عالم ليظن الناس أنه على شيء، وهو يعلم كذب نفسه، وإنما يتخذها ستارًا يغطي به قصوره وأنانيته.
4- وإما شخص يحاول تعجيز من يدعوه ليتخذ من عجزه عن الإجابة عذرًا للقعود وسببًا للانصراف.
5- وكذلك يُضاف لهذه الأصناف الذين يهاجمون الدعوة لقاء ثمن بخس من متاع الدنيا، ويتقربون بهذا الهجوم إلى ذوي السلطان والنفوذ، أو يكون مصدر تحاملهم خصومةً خاصةً وعداءً مسبقًا، وليس لنا مع هذه الأصناف إلا أن نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
6- وهناك صنف آخر من الناس قليل بعدده، يسأل إذا دعوته إلى المشاركة بغيرة وإخلاص، إنه غيور تملأ الغيرة قلبه، عامل يودّ لو علم طريقة العمل، هذا الصنف هو الحلقة المفقودة، والضالة المنشودة، وإنا على ثقة إن وقع في أذنه النداء لن يكون إلا أحد رجلين: إما عامل مع المجدين، وإما عاطف من المحبين، فهو إن لم يكن للفكرة فلن يكون عليها.

فعليهم أن يجربوا ولا يتواكلوا، ويندمجوا، فإن وجدوا صالحًا شجعوه، وإن وجدوا معوجًا أقاموه، ولا تكن تجربتهم حائلاً بينهم، وبين التقدم. اهـ. (رسالة هل نحن قوم عمليون صـ 95- 61 باختصار).

ويقول الإمام الشهيد عن قاعدة عامة وتجربة من تجارب الواقع، في شأن هذه الأصناف المختلفة: "ورأينا منهم ضروبًا وألوانًا وأصنافًا وأشكالاً جعلت النفس لا تركن إليهم، ولا تعتمد في شأن من الشئون مهما كان صغيرًا عليهم" (رسالة هل نحن قوم عمليون صـ60).

كما يذكر في مذكرات الدعوة والداعية ما نصحه به الشيخ محسن العرفي بشأن تزكية الأفراد، وإدخالهم الجماعة بأن يحذر الشيخ غير الملتزم، فإن صلاحه لنفسه، وعدم التزامه وانضباطه يضرّ الصف؛ لكن يستفيد بهم خارج الصف.

حول الفرد المدعو واهتمام الجماعة به
نشير في هذا الأمر إلى نقطتين:
أ- بالنسبة لموقف الأفراد، فهناك مساحة من الأفراد تحت شريحة المترددين والمتعاطفين مع الفكرة، فمنهم من أحب الفكرة؛ لكن متردد في الالتزام التنظيمي بالجماعة، ومنهم من يعتبر نفسه منها؛ لكن دون ارتباط حركي، أو استيعاب محدد في أوعيتها، وبالتالي يعتبرون مع مرحلة المحب المتعاطف.

وأيًّا كان السبب وراء هذا التردد وهذا الموقف، فقد خاطبهم الإمام الشهيد بمزيد من التقارب العملي إلى أن يصلوا إلى قناعة كاملة بالقيادة وبالمنهج، والطريق، ويكون منهم خطوة الارتباط التنظيمي بعد ذلك.

وهذه الشريحة رغم عدم ارتباطها التنظيمي بما يترتب عليه من حقوق وواجبات إلا أن الجماعة تحرص على استمرار تواصلها معهم ووصول مواقفها، وتوضيح جانب الدعوة لهم، والاستماع لآرائهم، ونصائحهم، والردّ على تساؤلاتهم دون إلزام لهم بسمع وطاعة، ودون افتئات منهم، أو تدخل في تنظيم الجماعة وآليات عملها، وليس هذا التصنيف للأفراد يكون وفق رؤية فرد إنما هي الضوابط التي تضعها مؤسسات الجماعة، وتعتمدها قيادتها في شروط الالتزام، والاستيعاب، وكذلك بناء على موقف هؤلاء الأفراد العملي من الارتباط التنظيمي بالجماعة، وقيادتها رغبةً، وطواعيةً.

ب- أن الجماعة تحمل الحب والتقدير لكل فرد كان معها فترة من الزمن في مجال الحركة والدعوة، ثم فارقها لسبب من الأسباب، وتدعو له بالتوفيق والسداد، وتكون على علاقة حسنة به، وتتواصل معه بالأسلوب الذي يقبله، ولا يشكل عبئًا، أو إعاقة لمسار الدعوة.

وهذا غير الذي خرج عنها، وتبنى موقفًا مخالفًا لأصول الدعوة ومبادئها الثابتة، كأن انتهج منهج العنف يستحل به الدماء، أو أخذ في الهجوم على الجماعة وقيادتها والتشهير بها، فهذا لا تشغل الجماعة نفسها به، ولا تنزل لمستوى الرد على شخصه، وإذا كان ما يثيره يحدث شبهةً من الشبهات حول مبادئ الجماعة، تركت هي للأفراد الرد عليه وفق آداب الإسلام في الرد أو أوضحت هي حقيقة مبادئها، دون التعرض لشخص هذا المهاجم.

وهذا الخلق السامي في التعامل مع الأفراد من خارجها، ومع المخالفين لها، والمتقولين عليها، يمثل جزءًا أساسيًّا من مبادئ الدعوة ومنهاجها ملازم لها مهما حدث، أو تعرضت لحملات الهجوم.

ونذكر هنا موقفًا عمليًّا للإمام الشهيد؛ حيث فارق الجماعة وقتها أحد الأشخاص من ذوي الوجاهة في جنوب الصعيد، وعندما مات قريب له، توجه الإمام سريعًا لأداء واجب العزاء له (رغم غضب هذا الشخص ومفارقته للجماعة)، وعندما كانت الحشود الكثيرة من الجمهور مجتمعةً، طلب منه بعض الحضور أن يلقي كلمة ليستفيد منه هذا الحشد، وذلك الموقف في نشر الدعوة؛ فأجاب فضيلته لقد جئت معزيًا، ولم آت داعيًا.

موقف الدعوة من شعوب العالم الغربي
يفرّق الإمام الشهيد في الموقف والتعامل بين شعوب العالم الغربي، وبين الحكومات الغربية التي تتخذ موقفًا معاديًا للإسلام، وشعوبه، وكذلك ما ارتبط بها من منظمات تدور في فلكها، وتخدم أغراضها.

فبالنسبة للشعوب نادى الإمام الشهيد بالتعاون، ونشر السلام العالمي على أسس العدل والحق، وتوضيح دعوة الإسلام، والرد على حملات التشويه ضده.

وعلاقة الأمة الإسلامية مع غيرها من الدول تقوم على هذه الأسس:
1- الدعوة؛ أي دعوتهم إلى الإسلام.
2- التعاون لخير الإنسانية.
3- المعاملة بالمثل.

ويشير الإمام الشهيد إلى ذلك فيقول: "وقوم ليسوا كذلك، لم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط (أي رباط العقيدة والوطن) فهؤلاء نسالمهم ما سالمونا، ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا، ونعتقد أنه بيننا وبينهم رابطة، وهي رابطة الدعوة، علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه؛ لأنه خير الإنسانية كلها، وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدده لها الدين نفسه من سبل ووسائل، فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يُردّ به عدوان المعتدين" (رسالة دعوتنا صـ24).

ويقول: "وأما العالمية والإنسانية فهي هدفنا الأسمى، وغايتنا العظمى، وختام الحلقات في سلسة الإصلاح"، "إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله" (رسالة المؤتمر الخامس)، "نريد السلام للعالم كله" (من رسالة اجتماع رؤساء المناطق)، ويقول أيضًا: "نحب الخير، ونتعاون مع الغير" (من رسالة المؤتمر السادس).

"فمن دعوتكم أيها الإخوة الأحبة أن تساهموا في السلام العالمي، وفي بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم، وتجلية مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها" (من رسالة اجتماع رؤساء المناطق صـ251)، "وأن نقيم في هذا البناء الإنساني لبنة" (رسالة دعوتنا في طور جديد).

كما يشير فضيلته إلى أن تطور الشعوب والزمن سوف يؤدي إلى التمهيد لهذه الفكرة العالمية: "كل ذلك ممهد لسيادة الفكرة العالمية، وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية". اهـ.

هل التيارات المتعارضة مع الدعوة وأهدافها تمثل مشروعًا معاديًا؟
التيارات والكيانات، سواء كانت رموزًا وشخصيات لها تأثير، أو كيانات وتجمعات تحمل فكرًا، أو مشروعًا معارضًا لمشروع الدعوة، وكانت ضمن إطار الوطن، أو الأمة الإسلامية؛ فهل تعتبر بأسلوبها وخصومتها مع الدعوة مشروعًا معاديًا؟! إن الجماعة لا تنظر بهذا المنظار إليهم؛ لأن مرجعيتها هي قواعد الإسلام، ومبادئه، وليس رؤيتها الشخصية فهي تعدها في مساحة الاختلاف والاجتهاد البشري القائم في المجتمع، وبذلك مهما بلغ معارضتها للدعوة فتعتبر في رؤية الجماعة اتجاهًا منافسًا، وليس عدوًّا، فالمشروع المعادي هو المشروع الغربي- الأمريكي- الصهيوني بامتداداته وينبغي مواجهته، والقضاء عليه تمامًا، أما المشاريع، والكيانات، والتيارات الإسلامية الأخرى مثل المشروع الشيعي، أو الاتجاهات الفكرية لبعض التيارات، والرموز الإسلامية؛ فهي تجمعها دائرة الأمة الإسلامية العامة، وتجمعها قبلة واحدة ورسالة واحدة، وإن اختلفت بعد ذلك في باقي الأمور، أو حاولت مزاحمة الجماعة والتضييق عليها، وبهذا تضع الجماعة قواعد للتعامل معه انطلاقًا من هذه الرؤية:
1- أنه ليس عدوًّا نسعى للقضاء عليه، بل تشمله دائرة الأمة الإسلامية.
2- أن توجه إليهم النصح والإرشاد بالطريقة المناسبة، وأن يكون التنافس في التسابق في عمل الخير، ولصالح الأمة، وليس بالصراع فيما بيننا.
3- ألا نرد على شتائمه، أو محاولات هجومه، وألا نستدرك إلى معارك معه.
4- أن نسعى بأسلوب هادئ حكيم إلى إقناعه بأن يوظف طاقته إلى ميدان الإصلاح، والدعوة، ففيه متسع للجميع بدلاً من الحرب والتنافس، ومضايقة كل فصيل للآخر.
5- أن ندعوهم أن يحلّ مكان هذا التنافس والاستفزاز من طرفهم التعاون في المساحة المشتركة لصالح الإسلام والمجتمع.
6- أن نستفيد من جوانب الخير التي لا بد أن تكون موجودة عندهم، ونحسن توظيفها، والاستفادة العامة منها في تحقيق إصلاح الأمة والمجتمع.
7- ألا نفقد الأمل، ولو بعد طول الزمن في تحقيق الوحدة، والتوافق على الفهم الشامل، والتعاون الصحيح، وأن ندعو الله لنا ولهم.

أما المشروع الغربي المعادي، فلا يمكن أن تلتقي أهدافه وغاياته مع أهداف الإسلام ورسالته، ولا بد في خطة الجماعة من مواجهته، ولو بصورة متدرجة، أو على مراحل حسب إمكانياتها وقدرتها على إيقاظ وحشد الأمة، ولا يمكن للدعوة أن تلتقي معه في منتصف الطريق بل تسعى للقضاء على خطره وآثاره السلبية على الأمة الإسلامية.

أما التيارات، والرموز، والكيانات الأخرى العاملة في مجال الدعوة للإسلام حسب تصورها، وفهمها، وهي محايدة في علاقتها بالدعوة والجماعة؛ فإننا نرحب بها، وبوجودها، ونتعاون معها إذا قبلت ذلك دون محاولة لإلغاء كيانها، أو تذويبها، ونترك للزمن دوره في اقتناعها بمنهج العمل الشامل لكل جوانب الإسلام.

هذا والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل..

الإمام البنا وشركاء الوطن


بقلم: د. محمد عبد الرحمن
إن رؤية الإخوان المسلمين لشركاء الوطن- وهم المواطنون من غير المسلمين- تنبع أساسًا من عقيدتهم الإسلامية، وتمثل ثابتًا من الثوابت عندهم، وتتخذ المظهر الواضح والتطبيق العملي عبر تاريخها الطويل وحاضرها الحالي.

وليس هذا الموقف جديدًا في تاريخ الدعوة، وإنما هو كذلك منذ أن بدأت، وليس به مساحات غامضة كما يدعي البعض، بل وضّح مؤسسها الإمام الشهيد كل جوانب هذه العلاقة، كما أن ذلك ليس تكتيكًا أو مناورة تتغير مع الأحداث والمكاسب، وإنما تقوم على رؤية شرعية وفهم ثابت لمنهج الإسلام.

ومع هذا الوضوح المنهجي والعملي، إلا أننا نجد بعض اللغط المثار في هذا المجال نتيجة للحملات الإعلامية غير المحايدة ضد الجماعة، وتستهدف تشويه دعوتها أو اجتزاء أقوال ومواقف دعاتها، أو تنسب لأفرادها أفعالاً متطرفة من الآخرين، وهم ليسوا ممن تربوا والتزموا بالجماعة، كما أن بعض الجهات تشارك وتتاجر بهذا التشويه نظير مكاسب سياسية على المستوى المحلي أو الدولي.

- رؤية الإمام البنا وهي من ثوابت الإخوان:
يحدد الإمام الشهيد هذه العلاقات بوضوح، مرتكزًا على شريعة الإسلام ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء المواطنون من غير المسلمين هم شركاء لنا في الوطن، لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

وهذه الوحدة الوطنية يرفعها الإسلام إلى مرتبة القداسة الدينية، فهي عبادة يحاسب الله عزَّ وجلَّ عليها.

يقول الإمام البنا في ذلك: ".. وأن الإسلام الذي قدّس الوحدة الإنسانية العامة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)﴾ (سورة الحجرات)، ثم قدّس الوحدة الدينية العامة كذلك، فقضى على التعصب، وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعًا، ثم قدّس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة في غير صلف ولا عدوان، فقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)﴾ (سورة الحجرات).

هذا الإسلام الذي بُني على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سببًا في تمزيق وحدة متصلة، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط" رسالة نحو النورز.

ويقول- في نفس الرسالة-: ".. يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساسًا لنظام الحياة ينافي وجود أقليات غير مسلمة في الأمة المسلمة، وينافي الوحدة بين عناصر الأمة، ولكن الحق غير ذلك تمامًا".


د. محمد عبد الرحمن
".. إن الإسلام الذي وضعه الحكيم الخبير، لم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الواضح، الذي لا يحتمل لبسًا ولا غموضًا في حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)﴾ (سورة الممتحنة)، "فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم" (رسالة نحو النور).

ويقول أيضًا: "فإن الإسلام، وهو دين الوحدة والمساواة كفل هذه الروابط بين الجميع، ماداموا متعاونين على الخير" رسالة دعوتنا.

ويقول: "ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة، فنحن نعلم أن الإسلام عُني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان..، كما أنه جاء لخير الناس جميعًا ورحمة من الله للعالمين، ودين كهذا مهمته أبعد الأديان عن تفريق القلوب وإيغار الصدور.. وقد حرَّم الإسلام الاعتداء حتى في حالات الغضب والخصومة، فقال تعالى: : ﴿.. وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨)﴾ (المائدة)، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين، وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم ...".

"كما أوصى بإنصاف الذميِّين وحسن معاملتهم (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)" (رسالة إلى الشباب).

ويقول في رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي:
"والأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة في كل تعاليمه وأحكامه، وهذا التاريخ الطويل العريض للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعًا- مسلمين وغير مسلمين- يكفينا مؤنة الإفاضة والإسراف، فإن من الجميل حقًّا أنهم يقدرون هذه المعاني في كل المناسبات، ويعتبرون الإسلام معنى من معاني قوميتهم، وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم".

ما نقلناه هنا هو جزء من أقوال وتوجيهات الإمام عبر أكثر من رسالة وفي سنوات مختلفة، وذلك يؤكد أن هذه رؤية ثابتة مستمرة منذ قيام الجماعة.. وهو نفس ما سار عليه جميع قادتها، فيشير الأستاذ مصطفى مشهور مرشد الجماعة الأسبق في رسالة "الرؤية الواضحة الموجهة للإخوان المسلمين": إلى أن هذه الوحدة الوطنية تشملها وتؤصلها الهوية الإسلامية، فيقول: ".. اندمجت مصر بكليتها في الإسلام؛ عقيدته ولغته وحضارته، ودافعت عنه وذدت عن حياضه، وردت عنه عادية المعتدين، وجاهدت في سبيله ما وسعها الجهاد بمالها ودم أبنائها.. هذه الهوية الإسلامية لا تقف عند حدود المتدينين بالإسلام في العالم الإسلامي، وإنما تشمل كذلك الأقليات غير المسلمة التي انصهرت قوميًّا وحضاريًّا ووطنيًّا مع الأغلبيات المسلمة، فإذا كانت الهوية الإسلامية تمثل بالنسبة للمسلم عقيدةً وشريعةً وقيمًا وحضارةً وقوميةً ووطنيةً وثقافةً وتاريخًا وتراثًا في الفكر وفي القانون، بنفس القدر الذي تمثله بالنسبة للمواطنين غير المسلمين في هذه الجوانب سواءً بسواءٍ".

ويؤكد الإمام الشهيد وضوح هذا الموقف:
".. ذلك موقف الإسلام من الأقليات غير المسلمة واضح، ولا غموض فيه ولا ظلم معه" رسالة نحو النور،

وعن الموقف من الأجانب والشعوب الغربية:
يوضح الإمام البنا ذلك فيقول: وأحب أن أؤكد لحضراتكم تأكيدًا قاطعًا أن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل- تمام الكفالة- حقوق غير المسلمين، سواء كانت حقوقًا دوليةً، أو كانت حقوقًا وطنيةً للأقليات غير المسلمة، وذلك لأن شرف الإسلام الدولي أقدس شرف عرفه التاريخ " (من رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين).

ويقول: "وموقفه من الأجانب موقف سلم ورفق ما استقاموا وأخلصوا، فإن فسدت ضمائرهم وكثرت جرائمهم، فقد حدَّد القرآن موقفنا منهم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)﴾ (آل عمران).

وقد حدد الإسلام تحديدًا دقيقًًا، من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم، ولا نتصل بهم.. ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)﴾ (الممتحنة)، وليس في الدنيا منصف واحد يكره أمة من الأمم على أن ترضى بهذا الصنف دخيلاً فيها، وفسادًا كبيرًا بين أبنائها ونقضًا لنظام شئونها". اهـ. (رسالة نحو النور).

نحن الإخوان لسنا في عداء مع الإنسان الغربي في أي قطر كان، فالإنسان من حيث هو إنسان تجمعنا به آصرَّة الإنسانية، أما موقفنا وحسابنا، فإنه مع الإدارة والحكومة الغربية، التي تستعبد بلاد المسلمين وتغتصب حقوقهم، أو تساند الظالمين المعتدين على ذلك.

الموقف من السلام العالمي والتعاون الدولي:
يرفع الإمام ويوجه دعوته للتعاون والسلام العالمي لخير الإنسانية كلها، فيقول: "الإنسانية لها دعامتان قويمتان، لو بُنيت عليهما الإنسانية لارتفعت بالبشر إلى علياء السموات:
1- الناس لآدم، فهم إخوان، عليهم أن يتعاونوا، وأن يسالم بعضهم بعضًا، ويدل بعضهم بعضًا على الخير.
2- والتفاضل بالأعمال، فعليهم أن يجتهدوا كل من ناحيته، حتى ترتقي الإنسانية. (رسالة دعوتنا).

فمن دعوتكم أيها الإخوان الأحبة أن تساهموا في السلام العالمي، وفي بناء الحياة الجديدة للناس، بإظهارهم على محاسن دينكم وتجلية مبادئه وتعاليمه لهم وتقديمها إليهم (من رسالة اجتماع رؤساء المناطق).

".. إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله، فهم ينادون بالوحدة العالمية؛ لأن هذا هو مرمى الإسلام وهدفه، ومعنى قول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٠٨)﴾ (الأنبياء)، ثم يسمو وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعًا" (من رسالة نحو النور).

ويقول مؤكدًا لهذه المعاني من الحرص على السلام والتعاون الدولي ".. ولسنا من الغفلة وضعف الإدراك؛ بحيث نعتقد أن في وسعنا أن نعيش بمعزل عن الناس، وبمنأى عن الوحدة العالمية التي انطلقت من حناجرنا– نحن المسلمين- أول صوت يهتف بها ويدعو إليها ويتلو آيات الرحمة والسلام..، ولكننا ندرك أن الدنيا في حاجة إلى التعاون وتبادل المصالح والمنافع، ونحن على استعداد لمناصرة هذا التعاون وتحقيقه في ظل مثل عليا فاضلة، تضمن الحقوق وتصون الحريات، ويأخذ معها القوي بيد الضعيف حتى ينهض". (رسالة اجتماع رؤساء المناطق).

ويتحقق ذلك ".. حين يعود الغرب إلى الإنصاف، ويدع سبيل الاعتداء والإجحاف، فتزول هذه العصبية وتحل محلها الفكرة الناشئة، فكرة التعاون بين الشعوب على ما فيه خيرها وارتقاؤها". (رسالة دعوتنا في طور جديد).

ويقول في رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي تحت عنوان "أصول الإسلام كنظام اجتماعي" ".. إن الإسلام كان أول وأكمل تشريع خطا في سبيل إقرار السلام العالمي أوسع الخطوات، ورسم لاستقراره أوفى الضمانات، التي لو أخذت الأمم بها وسلك الحكام والزعماء والساسة نهج سبيلها لأراحوا واستراحوا ومن ذلك:
1- تقديس معنى الإخاء بين الناس والقضاء على روح التعصب.
2- الإشادة بفضل السلام، وطبع النفوس بروح التسامح الكريم.
3- حصر فكرة الحروب في أضيق الحدود، وتحريم العدوان بكل صوره وإشاعة العدل والرحمة واحترام النظام والقانون حتى في الحرب نفسها". اهـ (باختصار).

ويقول في نفس الرسالة: ".. ولقد دعَّم الإسلام هذه المعاني النظرية والمراسم العملية ببث أفضل المشاعر الإنسانية في النفوس من حب الخير للناس جميعًا والترغيب في الإيثار ولو مع الحاجة.. وتقرير عواطف الرحمة حتى مع الحيوان، فأبواب الجنة تفتح لرجل سقى كلبًا وتبتلع الجحيم امرأة؛ لأنها حبست هرة بغير طعام، كما جاء ذلك وغيره كثير من مثله في أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

" والتعامل بين المسلمين وبين غيرهم من أهل العقائد والأديان إنما يقوم على أساس المصلحة الاجتماعية والخير الإنساني.. وبذلك قضى الإسلام على كل مواد الفرقة والخلاف والحقد والبغضاء والخصومة بين المؤمنين من أي دين كانوا".

وفي رسالة اجتماع رؤساء المناطق، عن أسس التعاون مع الدول الأجنبية:
".. فنحن نطلب أولاً لوادي النيل أن تجلوا عنه الجنود الأجنبية، فلا يكون هناك جيش احتلال في أية بقعة من بقاعه.. إن كسب القلوب وإرضاء النفوس والاعتراف بالحقوق هو أضمن وسيلة لتبادل المنافع والمحافظة على المصالح".

".. إننا لا نكره الأجانب ولا نريد أن نقطع صلات التعاون بيننا وبينهم، ونحن نعلم تمامًا أننا لا نستغني عن رءوس أموالهم وعن خبرتهم الفنية، ولكن لا نريد كذلك أن يكون هذا التعاون على قاعدة أن لهم الغنم وعلينا الغرم، والواجب أن تقدّر كل هذه العوامل الأجتماعية والاقتصادية".

"ونحن نريد بعد ذلك كله ونتمنى للعالم كله أمنًا وطمأنينة وسلامًا طويلاً وراحة بال، ولا نظن ذلك يتأتى إلا بالعدل والإنصاف ونحن على هذه الفطرة جُبلنا" ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)﴾ (الزخرف). اهـ.

- التحذير من إساءة استخدام ذلك ضد الإسلام والوطن:
يوضح الإمام الشهيد ويحذر أن تتخذ تلك الدعوة للوحدة الوطنية ذريعة لغير حقيقتها، ويرد على التخوفات والشبهات التي يثيرها البعض، فيقول رحمه الله: ".. ولكننا- إلى جانب هذا- لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم في سبيلها على عقيدتنا، ولا نهدر من أجلها مصالح المسلمين، وإنما نشتريها بالحق والإنصاف وكفى، فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده، وأبنّا له خطأ ما ذهب إليه ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.." (رسالة إلى الشباب).

ويقول أيضًا: ".. يقول الناس: وما تفعلون بالأجانب وبغير المسلمين من المواطنين؟ فنقول: يا سبحان الله، لقد حلّ الإسلام هذا الإشكال وصان وحدة الأمة عن التشقق والانقسام، وقرر حرية العقيدة والتعبد وما يلحق بهما فقال القرآن الكريم: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: من الآية 256)، كما كان شعار التعامل بين المواطنين في أرض الإسلام دائمًا ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا).

على أننا نعود فنقول: أي نظام في الدنيا- دينيًّا أو مدنيًّا– استطاع أن يفسح في قلوب المؤمنين به والمتعصبين له والفانين فيه لغيرهم من المخالفين ما أفسح من ذلك الإسلام الحنيف الذي يفرض على المسلم أن يؤمن بكل نبي سبق، وبكل كتاب نزل، وأن يثني على كل أمة مضت، وأن يحب الخير، وأن يكون رحيمًا بكل ذي كبد رطبة حتى إن الجنة لتفتح أبوابها الثمانية لرجل أطفأ ظمأ كلب، وتسعر النار بأعمق دركاتها لامرأة حبست هرة- كما جاء بالحدث النبوي الشريف- هذا الدين الرحيم لا يمكن إلا أن يكون مصدر حب ووحدة وسلام ووئام" (من رسالة مؤتمر رؤساء المناطق).

ويرد الإمام البنا في هذا الشأن في (رسالة نحو النور):
".. الزعم بأن نظم الإسلام في حياتنا الجديدة، تباعد بيننا وبين الدول الغربية، وتعكر صفو العلائق السياسية بيننا وبينها بعد أن كادت تستقر، هو أيضًا ظن عريق في الوهم؛ فإن هذه الدول إن كانت تسيء بنا الظنون، فهى لا ترضى عنا سواء تبعنا الإسلام أو غيره، وإن كانت قد صادقتنا بإخلاص وتبودلت الثقة بينها وبيننا؛ فقد صرح خطباؤها وساساتها بأن كل دولة حرة في النظام الذي تسلكه في داخل أرضها ما دام لا يمس حقوق الآخرين.

فعلى ساسة هذه الدول جميعًا أن يفهموا أن شرف الإسلام الدولي هو أقدس شرف عرفه التاريخ، وأن القواعد التي وضعها الإسلام الدولي لصيانة هذا الشرف وحفظه أرسخ القواعد وأثبتها".

ويقول الإمام عن هذه الدول الغربية إنها " لا تتأثر إلا بشيء واحد هو ظروفها ومصالحها فقط، ولا يعنيها بعد ذلك نصرانية، فقد رأيناها في الحرب الماضية يحطم بعضها بعضًا.. وكلها مسيحية.. وها هم أولاء جميعاً يناصرون الصهيونية اليهودية- وهي أبغض ما تكون إليهم- لارتباط مصالحهم المادية وأغراضهم الاستعمارية بهذه المناصرة.

وإذن فلن يجدينا شيئًا عندهم أن نتنصل عن الإسلام، ولن يزيدهم فينا بغضًا أن نعلن التمسك به والاهتداء بهديه.

ولكن خطر التنصل من الإسلام والتنكر له عظيم على كياننا نحن، فما دمنا بعيدين عن تشرب روحه وتحقيق تعاليمه؛ فسنظل حائرين فتتحطم معنوياتنا، متفرقين فتضعف قوتنا.. إننا إن لم نتمسك بالإسلام فلن نكسب رضاهم وسنخسر أنفسنا، في حين أننا إذا تمسكنا به وتجمعنا من حوله واهتدينا بهديه كسبنا أنفسنا ولا شك، وكان هناك احتمال قوي أن نكسبهم أيضًا بتأثير قوة الوحدة، فأي الرأيين أولى بالاتباع يا أولى الألباب".

من رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي– بعنوان "ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد" باختصار بسيط.

- الإسلام ومعنى المواطنة:
أسَّس رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، وكان داخل قبائلها العربية أسرًا يهودية متعددة، وهذا بخلاف تجمعات قبائل اليهود المجاورة والمتداخلة مع المدينة كيهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.

ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ البداية وثيقة بمثابة دستور سياسي واجتماعي لهذه الدولة وهي تشير بوضوح إلى اعتماد المواطنة مبدأً أساسيًّا في تشكيل المجتمع من هذه الطوائف، فقد ورد فيها:
1- أن أهل يثرب (ومن تبعهم فلحق بهم) أمة واحدة من دون الناس.
2- أن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.
3- أن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.

وذكرت الوثيقة طوائف اليهود الأخرى الداخلة في ذلك: يهود بني الحارث، ويهود بني ساعدة، ويهود بني الأوس، ويهود بني ثعلبة.. إلخ.

4- وأن بطانة يهود كأنفسهم.
5- وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.." (انظر كتاب السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم العمري ج1 صـ282، 283، 284).

وحق المواطنة هذا أنهم شركاء في الوطن، متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون وفق مبادئ الإسلام وأحكامه، وكذلك لهم هذه الحقوق أيضًا:
6- الأصل في علاقتهم بالسلطة والحكومة الإسلامية هو الرعاية والحماية وحسن التعامل والنصح لهم والعدل والإنصاف والبر، فهم في ذمة وعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "من آذى ذميًّا أو معاهدًا أو انتقص منه فأنا حجيجه يوم القيامة".
7- ولهم حق تنظيم طوائفهم الدينية واختيار رؤسائهم الدينيين ومن يمثلهم دون تدخل من السلطات.
8- ولهم حرية ممارسة شعائر العبادة الخاصة بهم، والمحافظة على دور العبادة وبناء ما يكفي حاجتهم منها، وأغلب الكنائس في بلاد المسلمين لم تجدد أو تبن إلا في ظل الخلفاء المسلمين، وكما قال الليث بن سعد: أن الكنائس الحالية- وقتها- في مصر كلها بُنيت في عهد الإسلام.

كما لهم نفس الحقوق السياسية والاجتماعية من تشكيل الجمعيات المختلفة ودخول الانتخابات والتمثيل في البرلمان، وتولي المناصب ما عدا أمرًا واحدًا وهو رئاسة الدولة (حيث يمثل ذلك منصب الولاية العامة حسب التعريف الفقهي لها) إذ عليه واجبات دينية تشترط الإسلام؛ للقيام بها ومنها إمامة المسلمين في الصلاة وحراسة الدين وسياسة الدنيا وفق أحكام الإسلام، وفي غير ذلك لهم المساواة مع المسلمين في باقي المناصب، وهذه الخصوصية التي ذكرناها يعاملون أيضًا بمثلها؛ فلهم قانون الأحوال الشخصية الخاص بهم ولا تقام عليهم الحدود في الأمور الخاصة بدينهم مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.. إلخ.. فهذه المراعاة للدين وأصوله ميزانها واحد وتساوي بين المسلمين وغير المسلمين.

9- ومع حق المواطنة والمساواة مع المسلمين، فإنه لا تؤخذ منهم الزكاة، ولكنهم يتساوون مع المسلمين في باقي المعاملات ولهم نفس حقوق الرعاية المطلوبة من الدولة تجاه مواطنيها.

* الحكم الإسلامي بالتعبير المعاصر، هو حكم مدني وليس حكمًا دينيًّا أو كهنوتيًّا؛ فالاحتكام فيه ليس لأمر غيبي يدعيه الحاكم أو يقتصر على علماء الدين، وإنما الاحتكام لدستور وقانون مستمد من المرجعية العليا (القرآن والسنة) أي القانون المكتوب وقد توافق على تطبيقه غالبية الشعب.

* كما أن المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها من غير المسلمين قد حلت محل مفهوم أهل الذمة، فالمواطنة ترتبط بالوطن استقرارًا فيه وولاءً له وانتماءً إليه فيكتسب جنسيته ويرتبط بأرضه

وهذه المواطنة تضم المسلمين وغير المسلمين.

وهى في المصطلح الإسلامي القديم تشمل:
1- المسلم الذي يؤمن بالإسلام.
2- الذمّي وهو من كان في ذمة الحكم الإسلامي، ويقبل بالانتماء لهذا الوطن.
3- أهل وأبناء هذا الوطن الذين ولدوا على أرضه وترعرعوا فيه سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
4- المستأمن، وهو الوافد إلى الوطن والمقيم فيه مؤقتًا؛ فهو في أمان دولة الإسلام حتى يرجع إلى بلده.

* وإن الضوابط والأسس التي يضعها الإسلام لسلامة المجتمع من قواعد الفضيلة وإقامة العدل والتعاون على البر وغيرها من أمور لا يختلف عليها أي دين من الأديان، بل وتطالب بها الإنسانية عبر عصورها.

* أما إذا حاول البعض المزايدة وأن يجعل من شعار المواطنة بديلاً عن المرجعية الإسلامية أو ضد قواعد الإسلام العادلة؛ فهذا لا نوافقه عليه.

حول موضوع الجزية ورؤية الإمام البنا:
الدارس لرؤية الإسلام في هذا الأمر، وكيف كان التطبيق العملي له، يجد الآتي:
- أن القواعد والضوابط في دخول الشعوب والأفراد غير المسلمين تحت سلطان الدولة الإسلامية تشمل:
أ) أن يقبل هؤلاء الناس أن يكونوا مواطنين في ظل هذا الحكم الإسلامي، شركاء في ذلك الوطن.
ب) والأمر الثاني أن تعاملهم الدولة الإسلامية (حكومةً وشعبًا) بالقسط والبر والرعاية مثلما تعامل أفرادها المسلمين، وتمكنهم من أداء شعائرهم التعبدية وأماكن العبادة الخاصة بهم ودون أي إكراه.
ج) والأمر الثالث أن توفر لهم الحماية والدفاع عنهم نظير ضريبة صغيرة كبدل عن الجندية؛ لإعفائهم منها إلا إذا رفضوا ذلك وطلبوا المشاركة في الدفاع والجندية.

* أما آية سورة التوبة التي ذُكر فيها المواجهة والقتال، فلم تكن موجهة للأفراد والشعوب، وإنما للحكومات التي تحكم هذه الشعوب وتمنع وصول دعوة الله إليهم، وتظلم وتنحرف عن مبادئ العدل والحرية؛ فكان أولاً التوجيه لهم بالأسلوب السلمي لتمكين الدعوة الإسلامية أن تصل بحرية إلى الناس وهم أحرار بعد ذلك من يشاء أن يؤمن ومن شاء أن يكفر، فكان القتال موجهًا للسلطة الحاكمة الظالمة المعتدية الرافضة لحرية الدعوة، وهدفه أن تقر بالخضوع والتسليم للدولة الإسلامية بحرية الدعوة.

* أما الجزية فهي نوع من الضريبة- لم يستحدثه الإسلام- وإنما كان موجودًا قبل الإسلام وبعد نزوله ومعمولاً به بين الأمم، ويمثل علامة للتبعية والخضوع، وإن كان استخدام الإسلام له من زاوية مختلفة عما اعتادت عليه الأمم الأخرى.

ولا يشترط الفقهاء أن تُسمى هذه الضريبة- ضريبة الإعفاء من الجندية- باسم الجزية، وقد طلبت بعض الطوائف ذلك على عهد سيدنا عمر بن الخطاب وأجابهم إليه.

فإذا عجزت الدولة عن الدفاع عنهم، أو اشتركوا في أعمال وتجهيزات متعلقة بأمن الوطن وحمايته، أو طلبوا هم عدم إعفائهم من الجندية دون إكراه لهم، رفعت عنهم ولم تؤخذ منهم، وهذا ما انتهى إليه الأمر في عصرنا الحاضر بمشاركة إخوة الوطن في الدفاع عنه وحمايته ومساواتهم في التجنيد، واختلطت دماؤهم بدماء المسلمين في مواجهة المحتل الأجنبي فأصبح الأمر مسألة تاريخية.

وإلى هذا ذهب الإمام البنا بكل وضوح في رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي تحت عنوان: "أصول الإسلام كنظام اجتماعي" حيث يقول:
"الجزية: ضريبة كالخراج، وهي كلمة عربية مشتقة من الجزاء؛ لأنها تدفع نظير شيء هو الحماية والمنعة، وذهب بعض العلماء إلى أنها فارسية معربة؛ وعلى هذا فهي: نظام في الضريبة نقله الإسلام عن الفارسية ولم يبتكره".

ولقد قرر الإسلام ضريبة الجزية على غير المسلمين في البلاد التي فتحها نظير قيام الجند الإسلامي بحمايتهم وحراسة أوطانهم والدفاع عنها، في الوقت الذي قرر فيه إعفاءهم من الجندية، فهي "بدل نقدي" لضريبة الدم، وإنما سلك الإسلام هذه السبيل ولجأ إليها مع غير المسلمين من باب التخفيف عليهم، والرحمة بهم وعدم الإحراج لهم حتى لا يلزمهم أن يقاتلوا في صفوف المسلمين، فيتهم بأنه إنما يريد لهم الموت والاستئصال والفناء والتعريض لمخاطر الحرب والقتال، فهي في الحقيقة "امتياز في صورة ضريبة", ومقتضى هذا: أن غير المسلمين من أبناء البلاد التي تدخل تحت حكم الإسلام إذا دخلوا في الجند، أو تكلفوا أمر الدفاع أسقط الإمام عنهم الجزية، وقد جرى العمل على هذا فعلاً في كثير من البلاد التي فتحها خلفاء الإسلام، وسجل ذلك قواد الجيوش الإسلامية في كتب ومعاهدات ما زالت مقروءة في كتب التاريخ الإسلامي. اهـ.

- الواقع العملي في تاريخ الإخوان:
ما سبق أن أوضحناه هو رؤية الإخوان في هذا المجال وهي قائمة على فهمهم للشريعة الإسلامية، وقد فصّل الإمام الشهيد في أكثر من موضع بهذا الشأن، وإذا نظرنا في الواقع العملي التطبيقي سنجد أن الإخوان كانوا نموذجًا لما رباهم عليه الإمام الشهيد، ولم يكن ظهور جماعة الإخوان مصحوبًا بأي بُعد طائفي أو أي إثارة للمسلمين على المسيحيين، بل كان هناك الودّ والتعامل الاجتماعي الواسع، والصداقة الطيبة بين أفراد الجماعة وغيرهم من المسيحيين.. وهذه بعض النماذج والوقائع التاريخية.
1- في عام 1944 عندما أقدم الإخوان على شراء قصر كبير بميدان الحلمية ليكون مركزًا عامًّا ومقرًّا للدعوة لهم، ولم يكن لديهم المبلغ الذي تعاقدوا عليه فقاموا بعمل اكتتاب على مستوى القطر من الإخوان ومن محبيهم والمتعاطفين معهم.. فقد ساهم عدد كبير من أقباط مصر في هذا الاكتتاب كل بما استطاع؛ فمثلاً تبرع الخواجة "فرنكو" التاجر بـ10 جنيهات، وجرجس بك صالح بـ5 جنيهات، مريت بطرس غالي 20 جنيهًا، وأرمنيوس جرجس بـ500 مليم، وجبريل مرسال بـ200 مليم، ومريس فاغ بـ200 مليم، وشاكر حزقيال بـ200 مليم، وجاب الله كريمة بـ100 مليم، وولسن يونس بـ100 مليم، وإسطاس بك بـ100 مليم، وتوفيق جرجس بـ50 مليمًا.. وغيرهم كثير كان منهم الحرص على المساهمة والمشاركة رغم الحالة الاقتصادية التي كانت تمر بها مصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ ما يؤكد مدى العلاقة والعاطفة بينهم وبين الجماعة (راجع أوراق من تاريخ الإخوان الكتاب الخامس صـ71، 72).
2- كان هناك "خريستو" وهو مسيحي أصله لبناني ماروني في منطقة الإسماعيلية، أحب الإخوان وطلب أن ينضم لأحد الأسر الإخوانية؛ حيث أعجبه روح التكافل والأنشطة المجتمعية التي يقومون بها، واستجاب له الإخوان وكان في أسرة مسئولها الأستاذ على رزة، وكان يشاركهم في كل شيء ما عدا الصلاة والصيام.

وأعطى الإمام الشهيد توكيلاً لخريستو هذا؛ ليكون مندوبًا له في لجنة الطور في الانتخابات التي دخلها الإمام أواخر عام 1944م.

3- كان هناك صداقة ولقاءات بين الإمام البنا وقيادات الإخوان، وبين الأستاذ مكرم عبيد والأستاذ إبراهيم فرج، وهما من الرموز المسيحية الوطنية.

وعندما استشهد الإمام، اخترق مكرم عبيد الحصار المفروض من الأمن، وشارك في حمل الجثمان وتشييعه.

4- عندما قامت الحكومة بنقل الإمام الشهيد من وظيفته بالقاهرة إلى صعيد مصر؛ لإبعاده تحت ضغط الإنجليز، حاول البعض المغرض أن يرسل بشكاوى ضده؛ خوفًا أن ينقل نشاطه الإسلامي هناك في الصعيد المتوتر.

لكن الإمام الشهيد طمأن الجميع والتقى زعماء المسيحيين وقساوسة الكنائس هناك، وأوضح لهم طبيعة دعوته وطبيعة الإسلام الذي يدعو إليه، فقاموا بالتوقيع معه على طلب يطالب الحكومة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

5- كان قادة الإخوان ورموزهم بالصعيد مثل الأستاذ محمد حامد أبو النصر، والأستاذ حامد شريت وأحمد شريت وغيرهم على أحسن علاقة مع الأسر المسيحية، وكانت تلجأ لهم لحل مشاكلهم.
6- في عام 1948م قام صادق سلامة وهو مسيحي مصري، ووكيل نقابة الصحفيين بترشيح نفسه في البرلمان في انتخابات تكميلية وقتها، فقام الإخوان بتأييده بل واعتباره كأنه مرشحهم.
7- قام الإمام الشهيد بتعيين السادة: فانوس أخنوخ، ووهيب دوس، وميريت غالي أعضاء في اللجنة السياسية للإخوان المسلمين.
8- جميع شعب الإخوان في القطر المصري كانت على علاقة حسنة وطيبة بالمسيحيين، ويشاركون معهم في الأنشطة الاجتماعية والرياضية ويتبادلون الزيارات.
9- كان الإمام حريصًا على إشراك رموز الكنيسة في الفعاليات الوطنية التي تقيمها الجماعة وخاصة في قضية الجلاء وقضية فلسطين.
10- عندما حدث حريق كنيسة كفر قاسم 1951م، قام الأستاذ مكرم عبيد، وإبراهيم فرج بالدفاع عن الاتهامات التي وجَّهها الإنجليز للإخوان، وكشفوا تدبير الإنجليز وعملائهم لهذه المؤامرة وذلك الحادث.
11- واستمر هذا منهج الإخوان بعد الإمام الشهيد، وعندما خرجوا من السجون في منتصف أو أواخر السبعينيات، كان لهم دور فاعل في ترشيد الشباب في هذا المجال، وكان للمرشد العام الأستاذ عمر التلمساني جهدًا واضحًا في معالجة فتنة الزاوية الحمراء، ولم ينتظر إجراءات الحكومة في هذا الشأن والتي شابها العنف وعدم التوفيق.
12- وفي الانتخابات البرلمانية والنقابية، تعاون الإخوان مع زملائهم المسيحيين ففي عام 1987م بأسيوط قام الأستاذ محمد حامد أبو النصر بنفسه مع إخوانه بالدعاية للمرشح المسيحي جمال إسحق عبد الملاك وهو على رأس القائمة الانتخابية.
13- استمر التزاور والمجاملات في المناسبات الاجتماعية بين قيادات الإخوان والكنيسة، وإن كان لتدخل الحكومة وتسييس البعض لعرقلة هذه الصلة الوطنية بعض الأثر السلبي؛ لكن استمر الإخوان على موقفهم وعلى علاقتهم الحسنة؛ لأن هذا عقيدة عندهم وواجب ديني لديهم.
14- من المعروف والثابت أن الحفاظ على الوحدة الوطنية وحسن العلاقة مع شركاء الوطن هي من إستراتيجيات جماعة الإخوان وقواعدها الحاكمة، وأن هذا منهج عملي، يتربى عليه جميع أفراد الإخوان، وهم لم يكونوا أبدًا طرفًا في أية فتنة أو توتر طائفي طوال تاريخهم، رغم محاولات البعض إلصاق ما يفعله بعض المتطرفين عن جهل، ومحاولة نسبته زورًا لأفراد الجماعة.

15- لقد تعامل أفراد الإخوان قديمًا وحديثًا في مختلف مؤسسات المجتمع المدني ومنها النقابات والبرلمان والجمعيات والجامعات.. إلخ مع زملائهم المسيحيين؛ فكانوا نموذجًا لهذه الرؤية والتعاون والبر وحسن المعايشة. (والمقالة لا تتسع لذكر هذه النماذج الحديثة).

خاتمة:
من منطلق الحب والعاطفة الجياشة، يخاطب الإمام الشهيد الأمة كلها مسلمين ومسيحيين؛ لأنهم قومنا الذين ننتمي إليهم ونعتز بهم فيقول لهم:
".. ونحب كذلك أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تُزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا.. فنحن حين نعمل للناس في سبيل الله، أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب ولن نكون عليكم يومًا من الأيام" (من رسالة دعوتنا للإمام الشهيد)... والله أكبر ولله الحمد.