ستظل الرجولة معدنًا نفيسًا ودرة غالية مفتقدة في زمان افتقد فيه الناس لآلئ طالما أضاءت طريق الإنسانية عبر مسيرتها الطويلة, فمنذ أن كان ثمة ركب كريم حققوا بجهادهم وواقعهم قول مولاهم جل علاه: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23) عبر مسيرة ﴿رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ (النور:37) مستهدين بذودهم عن حياض الحق وحماه، خطى ذلك المؤمن الرجل من آل فرعون ووقفته إزاء التأله والعتو والاستكبار في مسيرة للرجولة الشجاعة التي تبدّت في هيئة ذلك الرجلين من قوم موسى حين قالا: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ (المائدة:23)، ولكأن ما أوتوا من رجولة هي نتاج نعمة من الله تبدو في قوله جل شأنه ﴿أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم﴾ (النساء: 69) على حين حُرم ويُحرم كثير ممن ينتسبون إلى جنس الرجال من الرجولة الحقة من قوم لوط حين يتساءل مستنكرًا متعجبًا ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ (هود: 78]، على حين يعقب الرسول- صلي الله عليه وسلم- على موقف ابن جندل حين أصر على إيمانه رغم التنكيل والتهديد إبان هدنة الحديبية- بقوله: "ويح أمه, مُسعر حرب لو كان معه رجال".. وصدّقت فيه فراسة الرسول الأكرم- صلى الله عليه وسلم- إذ انضم إلى "أبي جندل" و"أبي بصير" نفر من خيرة الرجال، شعلوا بثورة (العيص) نارًا على معسكر الشرك والمشركين.. نتساءل إزاء تلك المشاهد عبر بعض الشرائح من تاريخ الإنسانية: أين من هذا كله رجال توارت رجولتهم المزعومة أو الموهومة خلف زوجات فارغات تافهات يملأن الكون صياحًا وصخبًا وضجيجًا إزاء مظالم موهومة تقع تحتها النساء, أو حقوق (يزعمن أنها مغتصبة) لفتيات قاصرات.. وما علمنا عليهن من عكوف على تربية لأولئك القاصرات تنأى بهن عن التعلق بسفاسف الأمور والتردي في حبائل الشيطان من التبرج والاختلاط الماجن والصحبة السيئة وتوابعها?!. أين تلك الرجولة الموهومة لآباء يسيرون- وهم في حالة زهو وإعجاب- في ركاب بناتهن الكاسيات العاريات- بل العاريات في شواطئ المجون كما هو الحال في تلك (القرى السياحية) في البحريْن المتوسط والأحمر?. وسيندمون ولات حين مندم.. وأين تلك الرجولة المزعومة من إقامة تلك الحفلات الماجنة والمُسًقطة للرجولة والهادمة للشباب, والتي يلحُّ جهاز الإذاعة المرئية الذي يشرف عليه ويديره ممن يسمَّون (برجال الإعلام) وهم إلى أشباه الرجال أقرب, بل وتاريخ بعضهم حافل بتسجيل اللقاءات الماجنة المحرمة الآثمة للضغط بها- في عصور القهر والهوان - على ساسة الدول ممن تدنت بهم شهواتهم إلى ذلك المستنقع الوبيل.. أين هم من رجالٍ طالما صمدوا في وجه الحكام إما ناصحين ومرشدين كـ"عمر مكرم" مع "محمد علي", أو صادعين بالحق في وجه طغيان "توفيق" وأزلامه, وما مقالة شيخ الأزهر الجليل الرجل "عبد المجيد سليم" عنا ببعيدة يوم صدع بها في وجه الملك الفاسد "أتقتيرٌ هنا وإسرافٌ هناك?" يشير بها إلى تقتير في ميزانية الأزهر في الوقت الذي كان الملك يسرف في الإنفاق على الملذات.. وأين منهم قبل ذلك من "صلاح الدين" يوم منع الشراب عن عدو الله "أرناط".. ذلك السفاح الذي طالما أعْمَل القتل في الحجيج إلى بيت الله الحرام, ثم ما كان من القائد المظفر إلا أن علاه بالسيف برًا بيمينه جزاء وفاقًا?، وأين منهم حين استدعى "فاروقُ" "مصطفى النحاس"- رحمه الله - وكان رئيسًا للوزراء, وطلب إليه أن يزج بصحفي في السجن لأنه تطاول على شخصه, فأجابه: "أنا لا أستطيع أن أزجَّ في السجن بإنسان, بل سأبلغ النائب العام كي يأخذ القانون مجراه؟. وأين منهم - وقد أدمن (الرجال) من حكام المسلمين الكوارث "التنازلات" باسم (المفاوضات) من "مصطفي النحاس" يوم قطع المفاوضات مع بريطانيا وقال كلمته المشهورة: "تقطع يدي ولا أفرط في السودان"?. لقد كان حريًا برجال اليوم من حكام المسلمين وأولياء أمورهم أن يقفوا موقفًا ينجيهم من مساءلة الله لهم يوم القيامة (إن كانوا حقًا يحسبون لهذا اليوم حسابه) بعد أن أسقطوا محاسبة الشعوب المقهورة تحتهم لهم .. بأن يصرخوا على فوائد (التنازلات) في وجه البلطجة الأمريكية.. أن لا لإرسال قوات عربية للعراق كي يتترسوا بها في وجه المقاومة العراقية دون خوف من قطع معونة أو تهديد أو وعيد.. كان حريًا بهم أن يصرخوا في وجه حفدة القردة بأننا سنظل ممسكين براية الجهاد مع المجاهدين, عالمين بحقيقة (ثوابتكم المزعومة) بأن لا عهد لكم مع (حيوانات وسوائم) (إذ هكذا هم يتصورون غير اليهود).. وأن موعودنا هو النصر عليكم لا محالة حين نعيد حياتنا حقًا لله.. نستحق بذلك أن نكون رجالاً.. وأما غير ذلك فلا مكان للرجولة الحقة إلا للرجال.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق