أما الرجل فهو رجل بسيط ، كان يرعى الغنم في بادئ أمره ، همته وأعلى طموحاته شاة يقودها ، ومرعىً خصباً ترعى فيه، كان يقيم هناك في بني أسلم بالقرب من المدينة النبوية ، كان يقيم مع والديه. سمع هو وغيره بقدوم رسول الله للمدينة، سمعوا عن صدقه وأمانته، سمعوا عن حب أصحابه له ، فما كان منه إلا أن ترك غنيماته وذهب ليرى هذا الرجل الذي سمع عنه. هناك في المدينة النبوية .. كانت النقلة الكبرى التي قدرها الله تعالى لهذا الرجل، كانت النقلة التي غيرت صاحبنا رضي الله عنه، قدم المدينة ورأى الرسول وآمن به وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. عاد راعي الغنم بعد ذلك إلى أهله، عاد ولكنه لم يعد، نعم لقد عاد بجسده ولم يعد بفكره ومشاعره لقد كان جسده في بني أسلم وقلبه في المدينة النبوية، هذه المشاعر الإيمانية قادت صاحبنا رضي الله عنه للعودة للمدينة، فبعد وقت غير طويل من اللقاء الأول مع رسول الله استأذن صاحبنا رضي الله عنه والديه ليسكن المدينة قرب الرسول. وصل المدينة ، وقابله النبي صلى الله عليه وسلم بالبشر الذي قابله به أول مرة، وعرفه النبي فزاد فرح وسعادة صاحبنا رضي الله عنه، فقره وقلة ما في يده جعله مع أهل الصفة ( قوم فقرء من أصحاب الرسول يسكنون خلف المسجد النبوي، تأتيهم الصدقات من موسري الصحابة وكان يختصهم ببعض الأطعمة والأشربة ). ثم جاءت النقلة الأخرى لهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه..إنها النقلة الحقيقية .. لقد قاده حبه للنبي لطلب عظيم لقد طلب أن يكون خادماً للنبي، نعم فذو الهمة العالية رضي الله عنه كان خادماً ، لكنه خادماً لأعظم من وطأت رجله الثرى، لأعظم البشر. لقد تشرف جمع من صحابة رسول الله بخدمته. لقد قادتهم تلك الخدمة المباركة للقرب من النبي ومعرفة أحواله وأخلاقه وسننه، لقد انتفعوا رضوان الله عليهم من النبي علماً جماً، ألم يكن خادمه الأول أنس بن مالك رضي الله عنه من أكثر الصحابة رواية للحديث. خدم ربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي رضي الله عنه النبي وانتقل من رعي الغنم لخدمة أعظم البشر، نعم فارسنا وصاحب الهمة العالية هو ربيعة الأسلمي رضي الله عنه . كانت مظاهر خدمة ربيعة رضي الله عنه متنوعة متعددة ولنتصور تلك المظاهر فلنستمع لربيعة رضي الله عنه يحكي ذلك: ( كنت أبيت مع رسول الله فأتيته بوضوئه وحاجته .. ) ( مسلم). ( كنت اخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع حتى يصلي رسول الله العشاء الآخرة فأجلس ببابه حتى إذا دخل بيته أقول لعلها تحدث لرسول الله حاجة ... حتى أمل فارجع أو تغلبني عيني فارقد .) (أحمد)
وهكذا كان يوم ربيعة رضي الله عنه وليلته وقفاً لله تعالى وخدمة لرسوله وسعياً في قضاء حوائجه، حتى أنه رضي الله عنه يتلمس حاجات النبي يقضي حوائجه في النهار و يبيت الليالي عند باب بيت النبي. لقد استفاد ربيعة رضي الله عنه من هذه الملازمة للنبي فوائد جمة نجملها فيما يلي : أولها وأعظمها مكافأة النبي له ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمة ربيعة رضي الله وعنه وخفته في ذلك، قال ربيعة رضي الله عنه (فقال لي - يعني النبي - يوماً لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه سلني يا ربيعة أعطك ) إمام الأئمة ورسول البشرية وقائدها محمد بن عبدالله يحتفي بخادمه ويكافئه ويقدر له عمله وخدمته وتفانيه وهكذا فليكن القائد والمدير والأب وولي الأمر ورب الأسرة وصاحب الفضل، وهكذا فلنكن مع أصحاب المعروف، لم يكن ربيعة رضي الله عنه ينتظر المكافأة بل مكافأته هي التشرف بخدمة النبي. ( سلني يا ربيعة أعطك ) السائل محمد بن عبد الله رسول الله قائد الأمة صاحب الدعوة المستجابة، والمسؤول ربيعة بن كعب رضي الله عنه رجل فقير عديم .. لا مال .. لا سكن ..لا زوجة .. لا دابة يركبها، إنها أمنيات لكل أحد مال وفير وزوجة حسناء وسكن واسع ومركوب فاره ، وإن تعجبوا فاعجبوا من إجابة ربيعة رضي الله عنه قال ( فقلت أنظر في آمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك ) ترو وتأن وتعقل ، وهكذا ينبغي أن يكون ديدن المسلم فالتأني من الله والعجلة من الشيطان كما ثبت ذلك عن رسول الله، النظر في الأمر والتمعن فيه وخصوصاً عند الأمور المهمة مطلب يقود بإذن الله تعالى إلى نتائج مرضية، ونعود إلى قصتنا .. ما سبب طلب ربيعة رضي الله عنه هذه المهلة، اسمعوا قال ربيعة رضي الله عنه: ( ففكرت في نفسي فعرفت إن الدنيا منقطعة زائلة وان لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني قال فقلت أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرتي فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به ) أعلمتم السبب .. فكر .. ودارت في ذهنه هموم الدنيا كلها ومطالبها لكنه عرف قيمتها ومنزلتها ( إن الدنيا منقطعة زائلة ) هذه حقيقتها ومنزلتها عند ربها لا تساوي عند الله جناح بعوضة هي مزرعة والحصاد هناك في الآخرة .. نعم في الآخرة .. لهذا قال ربيعة رضي الله عنه (فقلت أسأل رسول الله لآخرتي فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به ) وصدق فرسول الله أعلى الخلق وأرفعهم مكانة وأشرفهم منزلة عند ربه. ( قال فجئت فقال ما فعلت يا ربيعة قال فقلت نعم يا رسول الله أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار قال فقال من أمرك بهذا يا ربيعة قال فقلت لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في آمري وعرفت إن الدنيا منقطعة وزائلة وان لي فيها رزقا سيأتيني فقلت اسأل رسول الله لآخرتي قال فصمت رسول الله طويلا ثم قال لي إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود ) هذه رواية الإمام أحمد رحمه الله ، أما رواية الإمام مسلم رحمه الله فقد جاءت على النحو التالي ( قال كنت أبيت مع رسول الله فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال فأعنى على نفسك بكثرة السجود ).. الله أكبر .. إن الهمم لتصغر أمام هذه الهمة الرفيعة لم يرد ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه الجنة فحسب بل أراد أعلى منزلة فيها لقد أراد رضي الله عنه مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم، لقد أراد رضي الله عنه شفاعة النبي، لقد أراد رضي الله عنه العتق من النار. همة تناطح الجبال وعزيمة تريد أن تصل إلى المنال، تفكير في محله رؤية ثاقبة وأمان عظيمة، وثبات أيما ثبات يسأله النبي وربيعة يجيب - من أمرك بهذا يا ربيعة – هل أحد أملى عليك هذه الأماني، هل أحد ذكرك بهذه الهمة، ويعلنها ربيعة رضي الله عنه:- لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في آمري وعرفت إن الدنيا منقطعة وزائلة وان لي فيها رزقا سيأتيني فقلت اسأل رسول الله لآخرتي – جاء في رواية مسلم - أو غير ذلك قلت هو ذاك – ليس غير الجنة مبتغاً عند ربيعة رضي الله عنه فلتهنك الهمة أبا فراس. - صمت رسول الله طويلاً – ثم جاءت البشرى - إني فاعل – ويالها من بشرى لاتعدلها أي بشرى، هل توقف النبي عند هذه البشرى لا فقد رغب ربيعة بعد أن بشره وكأنه يقول للأمة من أراد أن يسمو بنفسه وينل تلك المكانة العظيمة فليكن شعاره مقالة النبي لربيعة رضي الله عنه ( فأعني على نفسك بكثرة السجود ). لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لربيعة (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ولم يكتفي بذكر الإكثار من السجود فحسب بأن يقول مثلاً فأكثر من السجود ، أو لعلنا نأتي بالسؤال بصيغة أخرى لماذا اختص النبي النفس بهذا المطلب السامي الذي طلبه ربيعة رضي الله عنه ، الجواب على هذه المسألة فصله شراح الحديث ولخصه الشيخ نور الدين السندي رحمه الله في حاشيته على سنن النسائي بقوله : ( فأعني على نفسك أي على تحصيل حاجة نفسك التي هي المرافقة والمراد تعظيم تلك الحاجة وأنها تحتاج إلى معاونة منك ومجرد السؤال مني لا يكفي فيها أو المعنى فوافقني بكثرة السجود قاهرا بها على نفسك وقيل أعني على قهر نفسك بكثرة السجود كأنه أشار إلى أن ما ذكرت لا يحصل الا بقهر نفسك التي هي أعدى عدوك فلا بد لك من قهر نفسك بصرفها عن الشهوات ولا بد لك أن تعاونني فيه وقيل معناه كن لي عونا في إصلاح نفسك واجعلها طاهرة مستحقة لما تطلب فإني أطلب إصلاح نفسك من الله تعالى وأطلب منك أيضا اصلاحها بكثرة السجود لله فإن السجود كاسر للنفس ومذل لها وأي نفس انكسرت وذلت استحقت الرحمة والله تعالى أعلم ) . هذه هي الفائدة الأولى والعظمى التي نالها ربيعة رضي الله عنه من ملازمة النبي ، ومن فوائد تلك الملازمة المباركة أيضاً روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقله طرفاً من قيام النبي الليل والمتمثلة في الأحاديث التالية / فعن ربيعة بن كعب الأسلمى قال ( كنت أنام في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه إذا قام من الليل يصلي يقول الحمد لله رب العالمين الهوى قال ثم يقول سبحان الله العظيم وبحمده الهوى ) وعنه أيضاً رضي الله عنه ( قال كنت أبيت عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيه وضوءه فاسمعه بعد هوى من الليل يقول سمع الله لمن حمده واسمعه بعد هوى من الليل يقول الحمد لله رب العالمين ) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد والنسائي . الهويَ بفتح الهاء وكسر الواو ونصب الياء المشددة ، قال الطيبي رحمه الله ( الحين الطويل من الزمان )، وقيل مختص بالليل والتعريف هنا لاستغراق الحين الطويل بالذكر بحيث لا يفتر عنه . وروى الإمام أحمد في مسنده قول ربيعة رضي لله عنه ( كنت أخدم رسول الله وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة فاجلس ببابه إذا دخل بيته أقول لعلها أن تحدث لرسول الله حاجة فما أزال اسمعه يقول رسول الله سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده .... ) الحديث . هذه هي حياة النبي في الليل صلاة وذكر وتقرب إلى الله تعالى كما روى ذلك ربيعة رضي الله عنه ، لقد كان النبي يقوم الليل حتى تتفطر قدماه تسأله زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا . قال الله تعالى ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وهي الشفاعة وكل عسى في القرآن فهي واجبة وقال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله وعسى من الله حق . هذه هي حال النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وحال أصحابه رضوان الله عليهم شبيهة بحاله ، فما حالنا مع الليل وماهو أغلب المسلمين مع هذا الوقت الفاضل وقت النزول الإلهي حينما ينزل ربنا إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته حين يبقى ثلث الليل الأخير كما ثبت ذلك في الصحيحين فيقول هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له ، نعم أيها الأحباب إن هذا الوقت المبارك.. فرصة للسائلين.. فرصة للداعين ..فرصة للمستغفرين ،فأين أصحاب الحاجات.. أين أصحاب الكربات..أين أصحاب الهموم ..أين أصحاب الغموم .. أين الذين يسألون العباد وينسون رب العباد .. إن هذا الوقت المبارك يدعو النائمين يدعو الغافلين يدعو اللاهين ربكم الغني عنكم يدعوكم لسؤاله يدعوكم لدعائه يدعوكم لاستغفاره فهل أنتم مجيبون . وعودة إلى رحلتنا الماتعة مع ربيعة رضي الله عنه فقد كان ربيعة رضي الله عنه ملازماً للنبي ، كما أنه رضي الله عنه كان يغزو مع النبي ، جاء عند الحاكم رحمه الله (ولم يزل ربيعة بن كعب يلزم النبي بالمدينة ويغزو معه ) . بقي ربيعة رضي الله عنه ملازماً للنبي لايريد أن يشغله أحد عن هذا الشرف العظيم ، حتى أنه رضي الله عنه لم يفكر أن يتزوج لنفس هذا السبب ، لكن رسول الله فطن لهذا الأمر واهتم له ، ودعونا نستمع إلى قصة زواج ربيعة رضي الله فهي قصة عجيبة فيها أحداث كثيرة وفوائد ولعلنا نسوق القصة أولاً ثم تكون الدروس والعبر فلنستمع إليها كما يرويها ربيعة رضي الله عنه.
وهكذا كان يوم ربيعة رضي الله عنه وليلته وقفاً لله تعالى وخدمة لرسوله وسعياً في قضاء حوائجه، حتى أنه رضي الله عنه يتلمس حاجات النبي يقضي حوائجه في النهار و يبيت الليالي عند باب بيت النبي. لقد استفاد ربيعة رضي الله عنه من هذه الملازمة للنبي فوائد جمة نجملها فيما يلي : أولها وأعظمها مكافأة النبي له ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمة ربيعة رضي الله وعنه وخفته في ذلك، قال ربيعة رضي الله عنه (فقال لي - يعني النبي - يوماً لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه سلني يا ربيعة أعطك ) إمام الأئمة ورسول البشرية وقائدها محمد بن عبدالله يحتفي بخادمه ويكافئه ويقدر له عمله وخدمته وتفانيه وهكذا فليكن القائد والمدير والأب وولي الأمر ورب الأسرة وصاحب الفضل، وهكذا فلنكن مع أصحاب المعروف، لم يكن ربيعة رضي الله عنه ينتظر المكافأة بل مكافأته هي التشرف بخدمة النبي. ( سلني يا ربيعة أعطك ) السائل محمد بن عبد الله رسول الله قائد الأمة صاحب الدعوة المستجابة، والمسؤول ربيعة بن كعب رضي الله عنه رجل فقير عديم .. لا مال .. لا سكن ..لا زوجة .. لا دابة يركبها، إنها أمنيات لكل أحد مال وفير وزوجة حسناء وسكن واسع ومركوب فاره ، وإن تعجبوا فاعجبوا من إجابة ربيعة رضي الله عنه قال ( فقلت أنظر في آمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك ) ترو وتأن وتعقل ، وهكذا ينبغي أن يكون ديدن المسلم فالتأني من الله والعجلة من الشيطان كما ثبت ذلك عن رسول الله، النظر في الأمر والتمعن فيه وخصوصاً عند الأمور المهمة مطلب يقود بإذن الله تعالى إلى نتائج مرضية، ونعود إلى قصتنا .. ما سبب طلب ربيعة رضي الله عنه هذه المهلة، اسمعوا قال ربيعة رضي الله عنه: ( ففكرت في نفسي فعرفت إن الدنيا منقطعة زائلة وان لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني قال فقلت أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرتي فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به ) أعلمتم السبب .. فكر .. ودارت في ذهنه هموم الدنيا كلها ومطالبها لكنه عرف قيمتها ومنزلتها ( إن الدنيا منقطعة زائلة ) هذه حقيقتها ومنزلتها عند ربها لا تساوي عند الله جناح بعوضة هي مزرعة والحصاد هناك في الآخرة .. نعم في الآخرة .. لهذا قال ربيعة رضي الله عنه (فقلت أسأل رسول الله لآخرتي فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به ) وصدق فرسول الله أعلى الخلق وأرفعهم مكانة وأشرفهم منزلة عند ربه. ( قال فجئت فقال ما فعلت يا ربيعة قال فقلت نعم يا رسول الله أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار قال فقال من أمرك بهذا يا ربيعة قال فقلت لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في آمري وعرفت إن الدنيا منقطعة وزائلة وان لي فيها رزقا سيأتيني فقلت اسأل رسول الله لآخرتي قال فصمت رسول الله طويلا ثم قال لي إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود ) هذه رواية الإمام أحمد رحمه الله ، أما رواية الإمام مسلم رحمه الله فقد جاءت على النحو التالي ( قال كنت أبيت مع رسول الله فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال فأعنى على نفسك بكثرة السجود ).. الله أكبر .. إن الهمم لتصغر أمام هذه الهمة الرفيعة لم يرد ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه الجنة فحسب بل أراد أعلى منزلة فيها لقد أراد رضي الله عنه مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم، لقد أراد رضي الله عنه شفاعة النبي، لقد أراد رضي الله عنه العتق من النار. همة تناطح الجبال وعزيمة تريد أن تصل إلى المنال، تفكير في محله رؤية ثاقبة وأمان عظيمة، وثبات أيما ثبات يسأله النبي وربيعة يجيب - من أمرك بهذا يا ربيعة – هل أحد أملى عليك هذه الأماني، هل أحد ذكرك بهذه الهمة، ويعلنها ربيعة رضي الله عنه:- لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في آمري وعرفت إن الدنيا منقطعة وزائلة وان لي فيها رزقا سيأتيني فقلت اسأل رسول الله لآخرتي – جاء في رواية مسلم - أو غير ذلك قلت هو ذاك – ليس غير الجنة مبتغاً عند ربيعة رضي الله عنه فلتهنك الهمة أبا فراس. - صمت رسول الله طويلاً – ثم جاءت البشرى - إني فاعل – ويالها من بشرى لاتعدلها أي بشرى، هل توقف النبي عند هذه البشرى لا فقد رغب ربيعة بعد أن بشره وكأنه يقول للأمة من أراد أن يسمو بنفسه وينل تلك المكانة العظيمة فليكن شعاره مقالة النبي لربيعة رضي الله عنه ( فأعني على نفسك بكثرة السجود ). لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لربيعة (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ولم يكتفي بذكر الإكثار من السجود فحسب بأن يقول مثلاً فأكثر من السجود ، أو لعلنا نأتي بالسؤال بصيغة أخرى لماذا اختص النبي النفس بهذا المطلب السامي الذي طلبه ربيعة رضي الله عنه ، الجواب على هذه المسألة فصله شراح الحديث ولخصه الشيخ نور الدين السندي رحمه الله في حاشيته على سنن النسائي بقوله : ( فأعني على نفسك أي على تحصيل حاجة نفسك التي هي المرافقة والمراد تعظيم تلك الحاجة وأنها تحتاج إلى معاونة منك ومجرد السؤال مني لا يكفي فيها أو المعنى فوافقني بكثرة السجود قاهرا بها على نفسك وقيل أعني على قهر نفسك بكثرة السجود كأنه أشار إلى أن ما ذكرت لا يحصل الا بقهر نفسك التي هي أعدى عدوك فلا بد لك من قهر نفسك بصرفها عن الشهوات ولا بد لك أن تعاونني فيه وقيل معناه كن لي عونا في إصلاح نفسك واجعلها طاهرة مستحقة لما تطلب فإني أطلب إصلاح نفسك من الله تعالى وأطلب منك أيضا اصلاحها بكثرة السجود لله فإن السجود كاسر للنفس ومذل لها وأي نفس انكسرت وذلت استحقت الرحمة والله تعالى أعلم ) . هذه هي الفائدة الأولى والعظمى التي نالها ربيعة رضي الله عنه من ملازمة النبي ، ومن فوائد تلك الملازمة المباركة أيضاً روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقله طرفاً من قيام النبي الليل والمتمثلة في الأحاديث التالية / فعن ربيعة بن كعب الأسلمى قال ( كنت أنام في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه إذا قام من الليل يصلي يقول الحمد لله رب العالمين الهوى قال ثم يقول سبحان الله العظيم وبحمده الهوى ) وعنه أيضاً رضي الله عنه ( قال كنت أبيت عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيه وضوءه فاسمعه بعد هوى من الليل يقول سمع الله لمن حمده واسمعه بعد هوى من الليل يقول الحمد لله رب العالمين ) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد والنسائي . الهويَ بفتح الهاء وكسر الواو ونصب الياء المشددة ، قال الطيبي رحمه الله ( الحين الطويل من الزمان )، وقيل مختص بالليل والتعريف هنا لاستغراق الحين الطويل بالذكر بحيث لا يفتر عنه . وروى الإمام أحمد في مسنده قول ربيعة رضي لله عنه ( كنت أخدم رسول الله وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة فاجلس ببابه إذا دخل بيته أقول لعلها أن تحدث لرسول الله حاجة فما أزال اسمعه يقول رسول الله سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده .... ) الحديث . هذه هي حياة النبي في الليل صلاة وذكر وتقرب إلى الله تعالى كما روى ذلك ربيعة رضي الله عنه ، لقد كان النبي يقوم الليل حتى تتفطر قدماه تسأله زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا . قال الله تعالى ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وهي الشفاعة وكل عسى في القرآن فهي واجبة وقال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله وعسى من الله حق . هذه هي حال النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وحال أصحابه رضوان الله عليهم شبيهة بحاله ، فما حالنا مع الليل وماهو أغلب المسلمين مع هذا الوقت الفاضل وقت النزول الإلهي حينما ينزل ربنا إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته حين يبقى ثلث الليل الأخير كما ثبت ذلك في الصحيحين فيقول هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له ، نعم أيها الأحباب إن هذا الوقت المبارك.. فرصة للسائلين.. فرصة للداعين ..فرصة للمستغفرين ،فأين أصحاب الحاجات.. أين أصحاب الكربات..أين أصحاب الهموم ..أين أصحاب الغموم .. أين الذين يسألون العباد وينسون رب العباد .. إن هذا الوقت المبارك يدعو النائمين يدعو الغافلين يدعو اللاهين ربكم الغني عنكم يدعوكم لسؤاله يدعوكم لدعائه يدعوكم لاستغفاره فهل أنتم مجيبون . وعودة إلى رحلتنا الماتعة مع ربيعة رضي الله عنه فقد كان ربيعة رضي الله عنه ملازماً للنبي ، كما أنه رضي الله عنه كان يغزو مع النبي ، جاء عند الحاكم رحمه الله (ولم يزل ربيعة بن كعب يلزم النبي بالمدينة ويغزو معه ) . بقي ربيعة رضي الله عنه ملازماً للنبي لايريد أن يشغله أحد عن هذا الشرف العظيم ، حتى أنه رضي الله عنه لم يفكر أن يتزوج لنفس هذا السبب ، لكن رسول الله فطن لهذا الأمر واهتم له ، ودعونا نستمع إلى قصة زواج ربيعة رضي الله فهي قصة عجيبة فيها أحداث كثيرة وفوائد ولعلنا نسوق القصة أولاً ثم تكون الدروس والعبر فلنستمع إليها كما يرويها ربيعة رضي الله عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق