بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 6 مارس 2010

المسجد الاقصى

إن ما يتعرض له المسجد الأقصى من محاولات صهيونية آثمة لإحراقه وتدميره وطمس معالم مدينة القدس، وتهويدها وتشريد أهلها، يوجب على كل مسلم أبي بل على كل إنسان حر كريم، أن يتحرك لإحقاق الحق وإبطال الباطل، والدفاع عن الأقصى والقدس وفلسطين.
وهذه القضية بالنسبة لنا قضية إنسانية عادلة يظهر فيها بوضوح الظلم والاستبداد وقتل الأنفس وإزهاق الأرواح وتدمير كل مقومات الحياة، وليس ما حدث في غزة مؤخرًا عنا ببعيد. وهي قضية إسلامية لا تبرأ ذمة المسلمين أمام الله تعالى إلا بنصرة إخوانهم في فلسطين والعمل بكافة الوسائل والسبل لاسترداد الأقصى والقدس وفلسطين كلها.
من هنا وجب علينا أن تكون لنا وقفة لنصرة الأقصى، نتعرف فيها على قضية المسجد الأقصى والقدس وما يحاك لمسجدنا ونحدد الدور الإنساني والإسلامي الذي يجب أن نقوم به وذلك أن للمسجد الأقصى مكانة عظيمة في الإسلام ومنزلة سامية عند المسلمين لأنه: مسرى رسول الله صلي الله عليه وسلم قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير) (1الإسراء)
فالله سبحانه وتعالى أسرى برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى رسول الله صلى لله عليه وسلم إمامًا بالأنبياء وانتقلت وراثة النبوة ولواء الرسالة من الأنبياء إلى محمد خاتم الرسل والأنبياء وكان ذلك في المسجد الأقصى.
وهو القبلة الأولى للمسلمين: فلقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وهو في المدينة ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا حتى نزل الأمر من الله تعالى بالتوجه للمسجد الحرام قال الله تعالي ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)144) البقر).
والصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة فيما سواه: كما قال صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة" (حديث حسن رواه الطبراني)
وهوأحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها: للحديث الذي رواه البخاري ومسلم وابن ماجة وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".
ولقد كانت رحلة الإسراء والمعراج وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد إمامًا بالأنبياء إعلانًا بانتقال إمامة البشرية إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده وأن المسجد الأقصى، هو مسجد المسلمين الذي توجهوا إليه في قبلتهم الأولى، وأسرى برسول الله منه.
ولقد قام الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالسفر إلى فلسطين عندما اشترط أهلها أن يتسلم مفاتيحها أمير المؤمنين بنفسه وكان لهم ما أرادوا، وهذه هي المدينة الوحيدة في عهد الراشدين التي تولى خليفة بنفسه تسلم مفاتيحها، فلم يذهب عمر رضي الله عنه لفتح المدائن عاصمة الفرس، ولا لبصرى بالشام عاصمة الروم، وإنما ذهب ليتسلم مفاتيح بيت المقدس والمسجد الأقصى لما لهم من منزلة ومكانة. وقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكتابة العهدة العمرية التي أمن فيها النصارى على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها. فكان الفتح العُمَري لبيت المَقدس سنة 15هـ 636م، عندما دَخَلَها الخليفة عمر بن الخطاب سلمًا، وأعطى لأهلها الأمان من خلال وثيقته التي عُرِفَتْ بالعهدة العُمَريَّة، وقد جاءت هذه الوثيقة لتمثّل الارتباط السياسي وحق الشَّرعيَّة الإسلاميَّة بالقدس وبفِلَسطين. وبعد تسلمه مفاتيح مدينة القُدس من بطريرك الروم صفرنيوس، سار الفاروق عمر إلى منطقة الحرم الشريف التي كانت خرابًا تامًّا في ذلك الوقت، وزار موقع الصخرة المشرفة وأمر بتنظيفها كما أمر بإقامة مسجدٍ في الجهة الجنوبية منَ الحَرَم الشريف، ثم عمد إلى تنظيم شئون المدينة فأنشأ الدَّواوين، ونَظَّم البريد، وعَيَّن العيون، وأقام يزيد بن أبي سفيان واليًا، وعيَّن عبادة بن الصامت قاضيًا فيها وعلى جند فلسطين
في القرن الماضي بلغ ضعف المسلمين وتفرقهم مداه بسقوط دولة الخلافة العثمانية، في الوقت الذي تشكلت فيه المؤسسة الصهيونية الحديثة، وأخذت تطالب بعودة اليهود إلى الأرض المقدسة لإحياء النبوءات التوراتية المحرفة، وتآزرت في سبيل تحقيق هذا الهدف الخبيث الصهيونية النصرانية مع الصهيونية اليهودية، ورفع الخلاف الديني التاريخي بين اليهود والنصارى إلى أجل غير مسمى لمواجهة المسلمين، وانتزاع الأرض المقدسة منهم، وتم لهم ذلك؛ إذ دخلت جحافل المستعمرين بلاد الشام، وأخضعت الأرض المقدسة لانتدابها، ودخلت جيوش الإنجليز الأرض الطاهرة المقدسة، والمسجد الأقصى لا يزال تحت حكم المسلمين، وأشعلت الحروب تلو الحروب على هذا المسجد المبارك حتى كانت النكسة التي هزمت فيها جيوش العرب فدخل المسجد الأقصى تحت حكم الصهاينة وسيطرتهم لأول مرة في تاريخ المسلمين
وفرح اليهود بذلك أشد الفرح، وهتفوا بثارات خيبر، ونادوا باستعادة يثرب، وأنشدوا نشيدًا مزق أكباد أصحاب الغيرة والنخوة من المسلمين؛ إذ كانوا يرتجزون قائلين: (محمد مات وخلف بنات)، يرددونها بالعربية والعبرية. ولكن بقي المسلمون المقادسة محافظين على المسجد الأقصى رغم خضوعه لحكم اليهود وسلطانهم، يفدونه بأرواحهم، ويتناوبون على حراسته وحمايته، ويرممون ما تلف من أجزائه
ولا تزال أعين الصهاينة على هدم المسجد المبارك، وبناء هيكلهم المزعوم مكانه، ولكنهم يجسون نبض المسلمين في ذلك، ويحاولون إماتة شعورهم تجاه المسجد المبارك، بأعمال الحفر والهدم لحرمه وشوارعه وجسوره، وتسليط متعصبيهم على الاعتداء بالحرق والهدم والتفجير لبعض أجزائه؛ رجاء أن يسقط من جراء ذلك، ولكن الله تعالى حفظه.
أما مخططات نسف المسجد الأقصى فهي أكثر من أن تحصر، والمنظمات الصهيونية التي أنشئت لهدم المسجد وبناء الهيكل تزيد على عشرين منظمة، والمحاولات الفردية والجماعية العدوانية على المسجد باحتلاله أو حرقه أو تفجيره أو إرهاب المصلين فيه تعد بمئات المحاولات، وما عمليات الهدم في حرم المسجد وشوارعه إلا واحدة من تلك المحاولات الكثيرة، التي لم يملَّ اليهود من تكرارها، وهم مصرون على النجاح في واحدة منها.
والسؤال الان كيف تبرأ ذمتنا أمام الله تعالى؟: إن الأقصى المبارك يمرُّ بأخطر اللحظات خلال هذه الحقبة الأخيرة من تاريخه، فالاستكبار اليهودي قد بلغ أوجه، فالقتل، والتشريد، وهدم المنازل، والحصار الاقتصادي الرهيب، وقد بيَّت الخطر الصهيوني أمره، وحدد هدفه، وأحكم خطته لهدم الأقصى المبارك، وبناء الهيكل على أنقاضه، ولم يجد من أمة الإسلام على امتدادها واتساعها مَن يصده ويرده.
لقد حثّ النبي- صلى الله عليه وسلم- المسلمين على التواصل المستمر بينهم وبين بيت المقدس؛ وذلك بإتيانه ومسجده الأقصى، وإكرامه بالصلاة فيه، أو بإرسال الزيت للإسراج في قناديله وإضاءتها، وهذا من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام وستكون للمسلمين، وقد كان؛ ففتحت القدس في العام الخامس عشر للهجرة.
روى الإمام أبو داود في سننه بسنده عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ،:"ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ"، وَكَانَتْ الْبِلَادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا، "فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ، فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ".
فالواجب على المسلمين اليوم أن يهبوا لإنقاذ مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذود عن المسجد الأقصى، والدفاع عنه بكافة الوسائل، بعد أن دنسه المحتلون؛ وهذا واجب عقدي وديني، لأن الأقصى جزءًا من ديننا، جزءٍ من عقيدتنا، جزء من آي القرآن الكريم.
فاما دور الفرد وهو لا يقل أهميةً عن الدور الجماعي، من خلال استحضار النية الصادقة في نصرة المسجد الأقصى، والدعاء يوميًّا للمسجد الأقصى المبارك بالنصرة، ونشر أخباره.
واما دور الأسرة، من خلال مدارسة تاريخ وقضية المسجد الأقصى المبارك، وتعريف الأطفال بفضل المسجد الأقصى المبارك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
واما واجب الأئمة والخطباء والدعاة في إحياء الحديث عن المسجد الأقصى المبارك وحض المصلين على الصيام والقيام، والدعاء للمسجد الأقصى المبارك.
وروى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس".
فنحن مطالبون ببذل الوسع والجهد لنصرة الأقصى وبيت المقدس وفلسطين، ولنوقن تمامًا أن وعد الله آتٍ، ونصر الله قريب قال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) (214 البقرة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق