بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 6 مارس 2010

لا تغضب

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ـ ومن كفَّ غضبه ، ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة "
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفَّ غضبه كفَّ الله عنهُ عذابهُ ، ومن خزن لسانهُ ستر الله عورتهوعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رجلا قال للنبى ( ) أوصنى قال : لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب. رواه البخارى فقوله صلى الله عليه وسلم (لا تغضب ) معناها لا تنفذ غضبك ،ولا تعمل بمقتضى الغضب إذا أصابك وجاهد نفسك على كف الغضب ولقد بين النبى فضيلة كف الغضب فقال " من كف غضبة ستر الله عورتة" لان الرجل إذا غضب ظهر منة ما كان يخفية من الحماقة والجهالة وسوء الخلق ونحو ذلك, وليس النهى راجعا إلى نفس الغضب لأنه من طباع البشر ولا يمكن للأنسان دفعه وقوله ( ) "إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد فى فؤاد ابن آدم ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه فإذا أحس أحدكم بشئ من ذلك فليضطجع أو ليلصق بالأرض " وجاء رجل إلى النبى ( ) فقال : يارسول الله : علمنى علماً يقربنى من الجنة ويبعدنى عن النار قال : لا تغضب ولك الجنة
وعن أبي الدرداء ضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال صلى الله عليه وسلم ( لا تغضب ولك الجنة)وقال ( ) : " إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما يطفئ النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " وقال أبو ذر الغفارى : قال لنا رسول الله ( ) " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " وقال عيسى ( عليه السلام ) ليحيى بن زكريا ( عليه السلام ) إنى معلمك علماً نافعاً : لا تغضب فقال وكيف لى ألا أغضب قال إذا قيل لك ما فيك فقل : ذنب ذكرته ، أستغفر الله منه وإن قيل لك ما ليس فيك فاحمد الله إذ لم يجعل فيك ما عيرت به وهى حسنة سيقت إليك وقال عمرو بن العاص : سألت رسول الله( ) عما يبعدنى عن غضب الله تعالى قال " لا تغضب " وقال لقمان لأبنه : إذا أردت أن تؤاخى أخا فأغضبه ، فإن أنصفك وهو مغضب وإلا فأحذره
أيها الموحدون إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه - الأبيض منها والأسود ، والطيب والرديء ، والقاسي واللين- فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع ، مختلفة المشارب، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها ، ومن هذا المنطلق راعى النبي ذلك في وصاياه للناس ، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه ، وما يعينه في تهذيب نفسه وتزكيتها .فها هم صحابة رسول الله ، يتسابقون إليه كي يغنموا منه الكلمة الجامعة ، والتوجيه الرشيد، وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، فأقبل بنفس متعطشة إلى المربي العظيم ، يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ، فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له : ( لا تغضب ) .وبهذه الكلمة الموجزة ، يشير النبي إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فالغضب جماع الشر، ومصدر كل بليّة، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم .إنه غليان في القلب ، وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، فبعد أن كان هادئا متزنا ، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد .ولهذا كان النبي يكثر من دعاء : ( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ) رواه أحمد ، فإن الغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله ، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين ، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " أول الغضب جنون ، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب " ، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما : "مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم " ، وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه : "يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم "، وقال آخر : " ما تكلمت في غضبي قط ، بما أندم عليه إذا رضيت ". وقد مدح الله عز وجل المؤمنين بصفات كثيرة منها قوله تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )آل عمران:134) فهذه ثلاث صفات عظيمة أولها: كظم الغيظ وإيقافه، والثانية: العفو والصفح مع المقدرة والتمكن، والثالثة وهي أعلاها مرتبة: الإحسان إلى الناس مقابل إساءتهم
. ففي رواية أنّ جارية لدى علي بن الحسين ( ) كانت تسكب الماء على يده فسقط الإناء على رأسه فشجّه ، فقالت: (والكاظمين الغيظ) .فردّ عليها : كظمتُ غيظي . فقالت: (والعافين عن الناس ) . فقال : عفوتُ عنك . ثمّ قالت: (واللهُ يحبّ المحسنين ). فقال : أنت حرّة لوجه الله !!وربّما لم يكن تلميذ القرآن البارّ علي بن الحسين ( ) بحاجة إلى ان تذكرة المرأة بكظم الغيظ والعفو والإحسان ، ولكنّه لبّى دعوة القرآن ليؤكد لها أ نّه نموذج الكاظم للغيظ والعافي والمحسن ، وأن غيظه لن يذهب بحلمه.وفي رواية أخرى ، جاء شخص من إحدى القبائل إلى النبي ( ) فقال له : أوصني يا رسول الله . فقال له : هل أنت مستوص بما أنا موصيك به ؟ فقال : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله . فقال له : لا تغضب . فلمّا رجع إلى قبيلته رآها تعدّ العدّة لقتال قبيلة أخرى ، وبدلاً من أن ينساق مع الغضب الجارف للقتال تذكّر وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لقومه : إذا كنتم تريدون قتالهم فأنا أدفع لكم الديّة أو الفدية حتى تكفّوا عنهم ، وبذلك حقن دماء الفريقين ، وقديماً قيل : «عندما يتزوّج الغضب من الثأر ينجبان الشرارة» .وقال خلافاً لما تعارف عليه الناس اليوم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول ليس الشديدُ بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " وقال : (وإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) متفق عليه. ومَنْ أولى الناس بالرفق من زوجك وأبنائك وإخوانك المسلمين؟!.والبعض اليوم يكون مستعداً لنتائج الغضب الوخيمة، فتراه يجعل بجواره في السيارة مثلاً حديدةً او خشبة أعدها لهذه المواقف!
وأشمل وصف لحالة الغضب تلك، قول النبي : ألا وإن الغضب جمرة في قلب إبن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه. رواه أحمد
والغضب - والعياذ بالله - مرتبط بالكبر والاستعلاء والظلم والتعدي، ولهذا كان طريقاً مهلكة وأرضاً موحشة! تأباه القلوب الكريمة، والعقول الكبيرة، والفطر السليمة.
هذا الداء الخطير جعل له النبي دواء نافعاً وعلاجاً شافياً والمسلم مطالب بكسر حدة الغضب وإبعاده بهذه الأمور التي منها: أن تتبع وصية النبي في ذلك الأمر، فقد جاءه رجلٌ وقال: أوصني. قال : (لا تغضب )، فردد مراراً وقال: (لا تغضب.(رواه البخاري. وأيضا إيقاف الغضب ودواعيه قبل بدايته، خير من التمادي فيه ومحاولة إصلاح نتائجه الوخيمة.
وأيضا معرفة فضل الله عز وجل لمن تجرع الغضب وكتمه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله " ما من جُرعةٍ أعظم أجراً عند الله من جُرعة غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله "تبارك وتعالى رواه ابن ماجه . وأيضا معرفة أن الغضب من الشيطان، قال : (إن الغضب من الشيطان..( والشيطان يورد الإنسان موارد الهلاك.
وأيضا الطمع فيما أعد الله عز وجل لمن كتم غيظه: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله " من كظمَ غيظاً وهو يستطيعُ أن ينفِذَه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ، حتى يُخيره في أي الحور شاء "
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله ما يمنعني من غضب الله ؟ قال ( لا تغضب) فالجزاء من جنس العمل ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله تعالى خيرا منه. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وما من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا )وأيضا الالتزام بالهدي النبوي، ومن ذلك تغير الهيئة التي عليها الغضبان وليلصق بالأرض، فذلك أدعى لإذلال النفس وطرح الكبر، قال : ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشيء فليلصق بالأرض .رواه أحمد
وأيضا الوضوء، إمتثالاً لقول الرسول : ( إن الغضب من الشيطان،والشيطان خُلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ (رواه أبو داود
وأيضا السكوت حال الغضب وحبس اللسان وإلجامه، قال : (علموا وبشروا ولا تعسروا، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت (رواه أحمد
وأيضا التعوذ من الشيطان الرجيم فهو رأس البلاء، قال تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200] وعن سلمان ابن صرد قال: ( إستب رجلان عند النبي فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، قال رسول الله : إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. رواه مسلم
وأيضا ذكرالله في كل موطن خاصة عند حالات الغضب قال تعالى" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون "الأعراف:201
وقال تعالى ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ثلاثة مَن كنَّ فيه آواه الله في كنفه , وستر عليه برحمته وأدخله في محبته) قيل ما هن يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم (مَن إذا أُعطي شكر , وإذا قَدر غفر , وإذا غَضب فتر)وأيضا معرفة نتائج الغضب وعواقبه ! وكيف أودى ريال بحياة رجلين، وكيف أدت كلمة في ساعة هيجان إلى فراق الزوجة، وحرمان الأبناء، وتضييع الحقوق، والاعتداء على الضعفاء والاخوان. فعن ابن مسعود قال: ( لما كان يوم حنين آثر الرسول الله ناساً في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائه من الإبل، وأعطى عُينيةُ بن حصن مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشرف العرب وآثرهم يومئذ في القسم. فقال رجل: والله إن هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن رسول الله فأتيته فأخبرته بما قال، فتغير وجهه حتى كان كالصيرف (صبغ أحمر ) ثم قال: (فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله )، ثم قال: (يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر )، فقلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثاً ) رواه البخاري.
أيها الاحباب ما كان من قبل فهو من الغضب المذموم شرعاً وعقلاً، أما الغضب المحمود والمطلوب فهو ما كان لله وفي الله، إذا انتهكت محارم الله كما كان النبي يغضب وذلك كثير في حياته عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة رضي الله عنها: ( ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيىء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى ) رواه مسلم. جعلني الله وإياك ممن يغضب لحدود الله إذا انتهكت، وأنزل علينا السكينة في أمور الدنيا التي نغضب لها لأتفه الأسباب وأقل الأمور. اللهم اعطف بنا وجنبنا الغضب المذموم، اللهم إنا نسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ياأرحم الراحمين.
اللهٌمَ إَقْسِم لنا مِن خَشْيَتِكَ ما تَحُولُ بِه بيْننَا و بَيَنَ معاصيك و مِنْ طاعَتِكَ ما تُبلغْنَا به جنًتِك و مِنَ اليقين ما تُهَوِن به عَليْنا مَصائِبَ الدُنيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق