قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ}(الصف :14).
فأين كانت النصرة مع أن عيسى عليه السلام لم يدخل أى حرب ضد الكفار؟ لقد كانت النصرة هنا نصرة إيمانية {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ }(الصف :14).
وهذا درس جليل لشباب الصحوة ليتعلم كل واحدٍ منهم إذا أراد أن ينصر دين الله ـ عزوجل ـ فعليه أن يحقق العبودية لله وأن ينشغل قلبه بطاعة الله جل وعلا وها نحن من خلال تلك الكلمات اليسيرة نتعايش بقلوبنا مع الأنصار ـ رضي الله عنهم ـ وعن المهاجرين الذين بذلوا الغالى والنفيس لنصرة هذا الدين .
أخى الحبيب إن الهداية منحة ربانية يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده، فقريش الذين تعايشوا مع النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعرفوا صدقه وأمانته لم يؤمنوا برسالته بل دبّروا المؤامرات لقتله والأنصار الذين رأوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمعوا منه القرآن لأول مرة أسلموا بقلوبهم وجوارحهم وضربوا المثل الأعلى في البذل والعطاء والنصيحة والفداء.
ومعالم النصرة عند الأنصار كثيرة ولكن سأكتفى بذكر بعضها ألا وهى:الحب واليقين والبذل والتضحية، فأما عن الحب فحسبك أن الواحد منهم كان يتمنى أن يفدى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنفسه وماله وأولاده ولذلك فأنا أهدى إليكم هذه المواقف :
يروي الحاكم بسندٍ صحيح (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة أحد أرسل زيد بن ثابت يلتمس له سعد بن الربيع ـ رضى الله عنهماـ ، فوجده في الرمق الأخير ، فقال له يا سعد ، إن رسول الله يقول لك كيف تجدك -إى كيف حالك-، فقال وعلى رسول الله السلام قل له إنى أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم مكروه و فيكم عين تطرف)
فهل هناك حب أعظم من هذا ؟ بل أرجع أيها الأخ الحبيب ، وأقرأ في غزوة أحد لترى كيف دافعوا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى الموت.
ولم تكن أم جميل بنت الخطاب في بدايات الدعوة بأقل دفاعًا أو أقل حبًا كذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما وقف الصديق يخطب في قريش، وكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله، وناله ما ناله من أذى المشركين، وأراد أن يطمئن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أرسل أمه إلى أم جميل وقالت أمه لها: "إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك؟ قالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا.( من براه المرض حتى أشرف على الموت (فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شيء عليك منها. قالت: سالم صالح. قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم. قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما"
وجاءت غزوة أحد بعد بدر بعام واحد يزيد شهرًا واحدًا، ولما استشار النبي أصحابه في لقاء المشركين كان رأي الأغلبية الخروج، وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم مع الأقلية البقاء في داخل المدينة، وكان من تعليلات هذه الرأي: أن يقاتل النساء والأطفال بما يقدرون عليه، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الأغلبية. ولما دارت المعركة وحمي وطيسها واختلطت صيحات الرجال بصهيل الخيول وقعقعة السيوف، لم تلبث المعركة أن أسفرت عن انتصار مؤزر للمسلمين الأشاوس، ولكن غلطة الرماة الفظيعة بدلت الموازين، وغيرت سير المعركة، وهنا برز جليا دور المرأة في الزود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من هؤلاء النسوة: أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية النجارية: شهدت هذه المرأة بيعة العقبة الثانية، ولم يكن دور أم عمارة في أحد بأقل من دور الرجال؛ بل فاق دورها دور الكثيرين منهم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "ما التفت يمينًا ولا شمالاً يوم أحد إلا ورأيتها تقاتل دوني" ولما سألتها أم سعد بنت سعد بن الربيع عن يوم أحد قالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي. قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحًا أجوف له غور فقلت لها: من أصابك بهذا قالت: ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا. فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كانت عليه درعان وقد استحقت الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ولأهل بيتها حيث قال: "بارك الله فيكم أهل البيت" ولم تترك نسيبة هذه الفرصة دون أن تزداد من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لذا أسرعت قائلة له: ادع الله أن نرافقك في الجنة. فقال: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة المرأة الدينارية: وضربت امرأة من بني دينار مثلا رائعا في تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على كل ما تحب، وطبقت بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" (رواه البخاري في الإيمان، ومسلم في الإيمان عن أنس), عن سعد بن أبي وقاص ، قال (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فلما نعوا لها ، قالت فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه ؟ قال فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل )تريد صغيرة قال ابن هشام : الجلل يكون من القليل ومن الكثير وهو هاهنا من القليل كبشة بنت عبيد الخزرجية: وهذه أم سعد بن معاذ تبرهن على فدائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم برهانًا عمليًا، وتؤكد هي الأخرى على ما أقدمت عليه المرأة الدينارية، ذكر الواقدي في مغازيه قال: "خرجت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله، أمي، فقال صلى الله عليه وسلم: مرحبًا بها. فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "أما إذا رأيتك سالما فقد أشوت (أصبحت صغيرة خفيفة) المصيبة، فعزاها رسول الله بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: يا أم سعد، أبشري وبشري أهليهم أن قتلاهم قد ترافقوا في الجنة جميعًا، وقد شفعوا في أهليهم. قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟!"
هذه صور رائعة، ونماذج مشرقة، ومواقف خالدة سجلتها المرأة المسلمة في عصر النبوة، وما ذكرته هنا غيض من فيض، وقطرة من بحر، وقليل من كثير، والعهد بالمرأة كذلك في كل وقت وحين، وهو الظن بها دائمًا في كل موقف يحتاج لنصرتها ويتطلب جهدها.
وأما عن اليقين فلقد كان ملازماً لهم منذ أول لحظة دخلوا فيها في هذا الدين العظيم كانوا على يقين من نصرة الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولعلك تجد هذا واضحاً في بيعة العقبة الثانية فلقد طلب منهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقدموا كل شىء لنصرة دين الله والثمن الجنة فبايعوه مع أنهم لم يروا الجنة لكنهم كانوا على يقين من صدق النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا على يقين من أن الله سيجزل لهم العطاء في الدارين لإيمانهم وإخلاصهم ونصرتهم لدينه جل وعلا.
وأما عن البذل فحدث ولا حرج فماذا نقول بعد قول الله تعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ }(الحشر :9)
ولعلكم تعلمون هذا الموقف الجليل الذي دار بين عبد الرحمن بن عوف المهاجري وبين سعد بن الريع الأنصاري عندما آخى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهما فعرض عليه سعد نصف ماله وإحدى زوجتيه وإذا بعبد الرحمن يقول له بارك الله لك في أهلك ومالك ولم يكن هذا الموقف الفردي فحسب بل كان موقفاً جماعياً من الأنصار لإخوانهم المهاجرين فلقد قاسموهم الثمرة ووضعوهم في عيونهم طلباً لمرضاةالله ـ عزوجل ـ.
وأما عن التضحية فنحن نعلم كيف ضحى الأنصار بكل شىء لنصر هذا الدين وحسبنا أن نذكر موقف سعد بن معاذ في غزوة بدر لما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أشيروا علي أيها الناس ، ففطن لذلك سعد ، فقال لكأنك تريدنا نحن يا رسول الله؟ ، قال :أجل ، قال سعد فقد آمنا بك فصدقناك ..إلى آخر مقالته التاريخية)، فكانت النتيجة العادلة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل حب الأنصار آية من آيات الإيمان فقال (آية الإيمان حب الأنصار وآيه النفاق بغض الأنصار ) متفق عليه.
وقال (من أحب الأنصار أحبه الله ومن بغض الأنصار أبغضه الله )ـ صحيح الجامع : فهل نجد فيكم يا شباب الصحوة أنصاراً لله ـ عز وجل ـ إذاً فاجعلوا تلك الآية أمام أعينكم دائماً {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}
فأين كانت النصرة مع أن عيسى عليه السلام لم يدخل أى حرب ضد الكفار؟ لقد كانت النصرة هنا نصرة إيمانية {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ }(الصف :14).
وهذا درس جليل لشباب الصحوة ليتعلم كل واحدٍ منهم إذا أراد أن ينصر دين الله ـ عزوجل ـ فعليه أن يحقق العبودية لله وأن ينشغل قلبه بطاعة الله جل وعلا وها نحن من خلال تلك الكلمات اليسيرة نتعايش بقلوبنا مع الأنصار ـ رضي الله عنهم ـ وعن المهاجرين الذين بذلوا الغالى والنفيس لنصرة هذا الدين .
أخى الحبيب إن الهداية منحة ربانية يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده، فقريش الذين تعايشوا مع النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعرفوا صدقه وأمانته لم يؤمنوا برسالته بل دبّروا المؤامرات لقتله والأنصار الذين رأوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمعوا منه القرآن لأول مرة أسلموا بقلوبهم وجوارحهم وضربوا المثل الأعلى في البذل والعطاء والنصيحة والفداء.
ومعالم النصرة عند الأنصار كثيرة ولكن سأكتفى بذكر بعضها ألا وهى:الحب واليقين والبذل والتضحية، فأما عن الحب فحسبك أن الواحد منهم كان يتمنى أن يفدى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنفسه وماله وأولاده ولذلك فأنا أهدى إليكم هذه المواقف :
يروي الحاكم بسندٍ صحيح (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة أحد أرسل زيد بن ثابت يلتمس له سعد بن الربيع ـ رضى الله عنهماـ ، فوجده في الرمق الأخير ، فقال له يا سعد ، إن رسول الله يقول لك كيف تجدك -إى كيف حالك-، فقال وعلى رسول الله السلام قل له إنى أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم مكروه و فيكم عين تطرف)
فهل هناك حب أعظم من هذا ؟ بل أرجع أيها الأخ الحبيب ، وأقرأ في غزوة أحد لترى كيف دافعوا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى الموت.
ولم تكن أم جميل بنت الخطاب في بدايات الدعوة بأقل دفاعًا أو أقل حبًا كذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما وقف الصديق يخطب في قريش، وكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله، وناله ما ناله من أذى المشركين، وأراد أن يطمئن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أرسل أمه إلى أم جميل وقالت أمه لها: "إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك؟ قالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا.( من براه المرض حتى أشرف على الموت (فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شيء عليك منها. قالت: سالم صالح. قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم. قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما"
وجاءت غزوة أحد بعد بدر بعام واحد يزيد شهرًا واحدًا، ولما استشار النبي أصحابه في لقاء المشركين كان رأي الأغلبية الخروج، وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم مع الأقلية البقاء في داخل المدينة، وكان من تعليلات هذه الرأي: أن يقاتل النساء والأطفال بما يقدرون عليه، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الأغلبية. ولما دارت المعركة وحمي وطيسها واختلطت صيحات الرجال بصهيل الخيول وقعقعة السيوف، لم تلبث المعركة أن أسفرت عن انتصار مؤزر للمسلمين الأشاوس، ولكن غلطة الرماة الفظيعة بدلت الموازين، وغيرت سير المعركة، وهنا برز جليا دور المرأة في الزود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من هؤلاء النسوة: أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية النجارية: شهدت هذه المرأة بيعة العقبة الثانية، ولم يكن دور أم عمارة في أحد بأقل من دور الرجال؛ بل فاق دورها دور الكثيرين منهم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "ما التفت يمينًا ولا شمالاً يوم أحد إلا ورأيتها تقاتل دوني" ولما سألتها أم سعد بنت سعد بن الربيع عن يوم أحد قالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي. قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحًا أجوف له غور فقلت لها: من أصابك بهذا قالت: ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا. فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كانت عليه درعان وقد استحقت الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ولأهل بيتها حيث قال: "بارك الله فيكم أهل البيت" ولم تترك نسيبة هذه الفرصة دون أن تزداد من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لذا أسرعت قائلة له: ادع الله أن نرافقك في الجنة. فقال: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة المرأة الدينارية: وضربت امرأة من بني دينار مثلا رائعا في تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على كل ما تحب، وطبقت بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" (رواه البخاري في الإيمان، ومسلم في الإيمان عن أنس), عن سعد بن أبي وقاص ، قال (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فلما نعوا لها ، قالت فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه ؟ قال فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل )تريد صغيرة قال ابن هشام : الجلل يكون من القليل ومن الكثير وهو هاهنا من القليل كبشة بنت عبيد الخزرجية: وهذه أم سعد بن معاذ تبرهن على فدائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم برهانًا عمليًا، وتؤكد هي الأخرى على ما أقدمت عليه المرأة الدينارية، ذكر الواقدي في مغازيه قال: "خرجت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله، أمي، فقال صلى الله عليه وسلم: مرحبًا بها. فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "أما إذا رأيتك سالما فقد أشوت (أصبحت صغيرة خفيفة) المصيبة، فعزاها رسول الله بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: يا أم سعد، أبشري وبشري أهليهم أن قتلاهم قد ترافقوا في الجنة جميعًا، وقد شفعوا في أهليهم. قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟!"
هذه صور رائعة، ونماذج مشرقة، ومواقف خالدة سجلتها المرأة المسلمة في عصر النبوة، وما ذكرته هنا غيض من فيض، وقطرة من بحر، وقليل من كثير، والعهد بالمرأة كذلك في كل وقت وحين، وهو الظن بها دائمًا في كل موقف يحتاج لنصرتها ويتطلب جهدها.
وأما عن اليقين فلقد كان ملازماً لهم منذ أول لحظة دخلوا فيها في هذا الدين العظيم كانوا على يقين من نصرة الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولعلك تجد هذا واضحاً في بيعة العقبة الثانية فلقد طلب منهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقدموا كل شىء لنصرة دين الله والثمن الجنة فبايعوه مع أنهم لم يروا الجنة لكنهم كانوا على يقين من صدق النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا على يقين من أن الله سيجزل لهم العطاء في الدارين لإيمانهم وإخلاصهم ونصرتهم لدينه جل وعلا.
وأما عن البذل فحدث ولا حرج فماذا نقول بعد قول الله تعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ }(الحشر :9)
ولعلكم تعلمون هذا الموقف الجليل الذي دار بين عبد الرحمن بن عوف المهاجري وبين سعد بن الريع الأنصاري عندما آخى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهما فعرض عليه سعد نصف ماله وإحدى زوجتيه وإذا بعبد الرحمن يقول له بارك الله لك في أهلك ومالك ولم يكن هذا الموقف الفردي فحسب بل كان موقفاً جماعياً من الأنصار لإخوانهم المهاجرين فلقد قاسموهم الثمرة ووضعوهم في عيونهم طلباً لمرضاةالله ـ عزوجل ـ.
وأما عن التضحية فنحن نعلم كيف ضحى الأنصار بكل شىء لنصر هذا الدين وحسبنا أن نذكر موقف سعد بن معاذ في غزوة بدر لما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أشيروا علي أيها الناس ، ففطن لذلك سعد ، فقال لكأنك تريدنا نحن يا رسول الله؟ ، قال :أجل ، قال سعد فقد آمنا بك فصدقناك ..إلى آخر مقالته التاريخية)، فكانت النتيجة العادلة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل حب الأنصار آية من آيات الإيمان فقال (آية الإيمان حب الأنصار وآيه النفاق بغض الأنصار ) متفق عليه.
وقال (من أحب الأنصار أحبه الله ومن بغض الأنصار أبغضه الله )ـ صحيح الجامع : فهل نجد فيكم يا شباب الصحوة أنصاراً لله ـ عز وجل ـ إذاً فاجعلوا تلك الآية أمام أعينكم دائماً {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق